كوميديا عربية
كوميديا عربية.. صار من الطبيعي أن نستجدي الضحك ونبحث عن الابتسامة “بالسراج والفتيلة” كما يقال، وذلك بعد يوم طويل من العبوس والتجهم.
لولا موائد الإفطار في شهر رمضان لهلك الناس في العالم الإسلامي من كثرة العصبية والتوتر، بالإضافة إلى الكسل والخمول.
ولولا الليل الذي تؤنسه المسامرات وتؤثثه شتى الأطعمة والمرطبات والمسلسلات لكان شهر الصيام موحشا وكئيبا رغم روحانيته.
وبسبب كل ما تقدم، تصبح الكوميديا حاجة لا بد منها، وتغدو موسما تتنافس فيه شركات الإنتاج التلفزيوني على تقديم وجبات متنوعة تجمع بين الفكاهة والسماجة، ويختلط فيها الموهوبون وأنصافهم.. تماما مثل حالة الصيام التي يمتزج فيها الأتقياء مع الأدعياء.
عموما، هذه طبيعة الكوميديا التي نشأت بالأصل، من الأغاني والاحتفالات الجماعية الصاخبة، ومن الحوار الدائر بين الشخصيات التي تقوم بأداء شعائر الخصوبة في أعياد الإله ديونيسوس ببلاد اليونان القديمة.
لا شيء تغير في نزوع الإنسان نحو التسلية والسخرية من أتعابه منذ مسرحيات أريستوفانيس لدى الإغريق إلى يوم الناس هذا.
ولا تمنع أي حالة تعبد ـ مهما كانت رهبتها ـ الناس من الضحك، لا بل أنها تزيد من إقبالهم على روح النكتة والدعابة.
عدد الطرائف والنكات التي تتناول غلاة المتدينين من حمقى ومحتالين ومدعين ومغفلين، يفوق بكثير عدد المتدينين أنفسهم أي أن الأصل في الأشياء هو الهزل المبني على المفارقات والتناقضات، وليس تلك الجدية المفتعلة، والتي تصبح بدورها مضحكة حين ننظر إليها من زاوية مختلفة.
المشكلة لدى من يقدمون أنفسهم ككوميديين في العالم العربي أنهم مغفلون ويظنون أن ما يضحكهم قد يُضحك غيرهم، في حين أنهم أنفسهم، مادة للضحك حين يظنون أنفسهم مضحكين.
ما معنى أن تقدم واحدا من قصيري القامة أو البدينين أو المثليين أو من ذوي الاحتياجات الخصوصية على أنه مادة للضحك؟ وما معنى أن تلصق صفة ذميمة بصنف من البشر دون غيره، كأن تقترن الشقراوات بالغباء واليهود بالبخل والمسلمون بالإرهاب والسود بالتخلف، وغير ذلك من الأحكام الجاهزة والكليشيهات السائدة؟
بات التحرش والتنمر مادة للفكاهة في الكوميديا العربية، وصار “نجوم الكوميديا” لدينا هم أولئك السمجون وقليلو الحياء وعديمو الأخلاق. وصار الكثير من الناس يدفع النقود ويخصص الوقت لمشاهدة من كان الأجدر بهم أن يُقدموا للمحاكم بتهمة التعرض لكرامة الآخرين.
إذا كانت الكوميديا هي فن إبراز المفارقات، فإن مشهد تعلق جمهور بممثل من هذا الصنف الممسوخ، لهو الكوميديا في حد ذاتها.. وإن لم تكن كذلك فهي قمة المأساة وضرب من التراجيديا الموجعة.
وإذا كانت بعض الأسر العربية تجتمع في شهر التقوى والعبادة على شاشة التلفزيون لمشاهدة هذه “المسخرة” فالأولى أن نقرن شعبان بشوال.