مسرحيّة طويلة جدّا
مسرحيّة طويلة جدّا
“بمناسبة اليوم العالمي للمسرح”
المكان: قاعة مسرح مفتوحة على كلّ الاحتمالات.
الزمان: بعد مغادرة الجمهور والممثّلين ,زمن واقعيّ ثقيل ومخيف.
******
الشخصيات:
-خشبة ذات جسد مسنّ ومخلوق من أشجار بعيدة وحزينة, جسد أدمته أقدام الممثّلين.
-مكنسة من قشّ يابس وسريع الاشتعال, حالمة ولم تكنس إلاّ الأحلام.
-عامل تنظيف عجوز سكنته لوثة المسرح ,هجرته امرأته فتزوّج مكنسة بعقد عرفي.
******
ثلاث دقّات تقليديّة يحدثها عامل التنظيف بقدمه على الخشبة التي تضاء بكبسة زرّ على الجدار من يده المرتعشة فيظهر برفقة المكنسة.
-المكنسة:أما آن لي أن أستريح؟!اعتقني أيها العجوز لقد مللت كنس قشور البزر و أعقاب السجائر والكلمات والضحكات والتنهّدات.
-عامل التنظيف:عفّي عنّي أيتها المكنسة الشمطاء , لن تتقاعدي إلاّ معي .
-المكنسة:ليتني نشأت بين ساقي ساحرة عجوز تحلّق بي فوق السحاب و نطوف بلاد عالم عجيب.
-عامل التنظيف:قولي حصيرة في كوخ بائس أو رزمة قشّ تحترق في الليالي الباردة,كفّي عن خيالك المريض ,لن تكنسي السماء يوما ,قدركنّ الأرض والانحناء يا معشر المكانس.
-المكنسة: نسيت حين كنت تستخدمني صولجانا وتقلّد الملوك والأباطرة الذين مرّوا من هنا؟!
-عامل التنظيف: بربّك ألم أكن موفّقا في تلك الأدوار التي ارتبك فيها كبار الممثّلين.
-المكنسة :ما أجبننا.. وما أشطرنا في الحلم حين نغمض العيون أو تنطفىء الأضواء…الممثّلون يحلمون تحت الضوء وهذا ما يعجز عنه الآخرون.
عامل التنظيف: حلّي عنّي أيتها المكنسة الشمطاء لم أعد أتحمّل استفزازاتك
(يضرب بقدمه الأرض ويرمي المكنسة غاضبا فيتفاجىء بصوت الخشبة المنكسر)
-الخشبة: خفّف الوطء يا صديقي إنّ بي وجع قديم وتعالي أيتها المكنسة لتحكّي ظهري المتورّم كهذه الذاكرة.
-المكنسة: ما يحزنك أيتها الحنون؟منذ قليل كنت تتوهّجين تحت أقدام الممثّلين والراقصين والعازفين.
-الخشبة: لعلّ هذا ما يزيد في حزني: ألق عابر فوق شجن دائم, ها أنا أحيا مقعدة ..على عكس جدّتي الشجرة التي ماتت واقفة تمنح ظلّها حتّى للحطّاب الذي جاء يقطعها.
-عامل التنظيف: هذا قدر المسرح يا عزيزتي, خلق كي يموت ويكنس مع نهاية كلّ عرض…
-الخشبة :لعلّ هذا سرّ خلوده.. كفّ عن النظر إليّ ببلاهة كمقعد في الصّفوف الأماميّة ,تعال واكنس هذا المسمار الذي قد ينغمس في لحمي وفي قدم الممثّل.
(يمسك العامل بالمكنسة ويبدأ بالتنظيف فيحدث حفيفا وهمسا وحوارا بين المكنسة والخشبة)
-المكنسة: ما أكثر ما يبهجك أيتها الخشبة؟
-الخشبة: حلم وجهد وعرق يسقيني فتخضرّ الروح وتزهر الجراح.
-المكنسة: وما يزعجك؟
-الخشبة: كذب ورياء و إدّعاء ..وأشخاص جعلوا منّي جسر عبور نحو التلفزة والشهرة الزائفة.
-المكنسة: ومالذي تذكرينه وأنت التي يتّهمك البعض بالنكران والتناسي؟
-الخشبة: ممثّل مات فوق صدري وسقط كورقة خريف في جدول النسيان الخالد.
-عامل التنظيف: علينا الليلة أن ننظّفك ونزيّنك بشكل لائق فغدا يوم استثنائي…احزري ما هوّ؟هيّا احزري يا ضعيفة الذاكرة.
-الخشبة: لا تقل لي مهرجان خطابيplease.
-عامل التنظيف: شيء آخر ,أظنّه عزيزا على قلبك
-الخشبة:مسرحيّة ؟أكيد مسرحيّة….
-عامل التنظيف:لا…احتفاليّة يوم المسرح العالمي.
-الخشبة:مسرحيّة…ألم أقل لك مسرحيّة….وباهتة أيضا…أصبحت قبرا لا يذكره أهله إلاّ بباقات الآس والزهور الصفراء كلّ عيد ,وينسونه طيلة أيّام العام.
-عامل التنظيف:ولكنّ المدعوين كثر ومهمّون.
-الخشبة :أعرفهم وأتذكّرهم واحدا واحدا,أغنّي لهم في سرّي >زوروني كلّ سنة مرّة..حرام تنسوني بالمرّة<,رحمة الله عليك يا سيّد درويش, كان من أشرس عشّاقي..
-المكنسة:(متدخّلة):أصارحك القول أيتها الخشبة العجوز بأنك سيّدة متصابية ولعوب ,أوقعت في شراكك عشّاق كثيرون ثمّ تركتهم للبؤس والمعاناة حتّى إذا جاهر أحدهم بحبّك قال له الحاضرون:الله يشفيك.
-عامل التنظيف(متدخّلا بدوره):أتدري مالفرق بينك وبين التلفزة يا سليلة الأشجار الوارفة؟..الفرق هو أنّ عشّاقك يهيمون بك ولا تهيمين بهم,يصرفون عليك ولا تصرفين عليهم,تتخلّين عنهم ولا يتخلّون عنك ,أمّا التلفزة فسيّدة ميسورة تغدق على عشيق يتمنّى وصلك…يا لسخرية المفارقات!
-المكنسة:أمّا أنا فيا حسرتي على حالي..لم تلامسني إلاّ الأصابع الخشنة ولم أكنس غير الأوهام,هل المكانس الكهربائيّة أحسن منّي!
-الخشبة:تلك المكانس خلقت لتنظيف ما علق من الأحذية أمّا أنت فلتجميع ما علق من الأرواح.
(يسمع دويّ تصفيق قادم من الكراسي الفارغة,تلتفت المكنسة إليهم في غيظ)
-المكنسة: كعادتكم,تسخرون منّي يا معشر الكومبارس من الكراسي الفارغة, والله لن أنفض عنكم الغبار الذي تراكم فوق جلودكم ,أنا البطلة في هذه المسرحيّة الأبديّة ,البطولة للنسيان, البطولة لكنس اليوم وانتظار الغد.
-الخشبة: البطولة للتذكّر
-عامل التنظيف :البطولة لمن يحلم بها ولا يدركها,
-جوقة الكراسي: البطولة لنا نحن, للمنتظرين والمتحمّلين والثّابتين, البطولة للإظلام الذي يفتح رحمه للضوء عشيّة كل أمل.
(اظلام ويسدل الستار)