نوافذ شعرية| أنت لست ما تزعم…
[ 1 ]
…
(أنتَ لستَ ما تزعم)…
[ 2 ]
كسرت المرآة صمتها وهمست لي خلف حجاب نديّ من بخار وهي تتفرّس في وجهي الملطّخ بالماء والصابون والشتائم وبقايا المنامات الفاحشة .
لست رجلاً ما لم تطعن في رجولَتِك
امرأة وحيدة
حزينة وحاقدة
في مكان ما..
وفي زمن ما..
كما يجب..
لستَ نبيّا ما لم يتآمر عليك الكفرة والملحدون والمنافقون وعبدة الأصنام وأتباع الرجس والأزلام .
لستَ أنتَ،
ما لم يشهّروا بك من فوق المنابر
ليقتادوكَ حافيا كطير
مكمّماً
مكبّلاً في الأسواق
ومعفّراً بالاهانة والغبار
ليعتبر منكَ ضعاف الإيمان
وفاسدو العقيدة والأغرار.
[ 3 ]
لم أكسر المرآة كي لا تتكاثر مثل كائن خرافي بل قلبتُها على ظهرها كالخنفساء وتركتُها تكمل حديثها للسقف والسماء.
أطبقتُ الباب خلفي..
تركته يشتمني
ويشتم أوّل عهده بهذا المفتاح ..
[ 4 ]
المفتاح الذي يحاول أن يفلت ويضيع منّي كلّ مساء؛ كلَّ مساء
لكنّي أجده غصبا عنّي …
دون جدوى ودونما مساعدة من أحد.
[ 5 ]
هاهو الصباح يلقي بي في الطرقات كحبّة (نفتلين) بين المعاطف السميكة في فصل الصيف وأحيانا كحبّة ( سكّرين ) في قهوة باردة وفي أغلب الأحايين بحصة في كلية فاسدة.
[ 6 ]
أنا لستُ ما زعمت ..
أنا ذاك الذي كدت أن أتذكّره وأوشكت أن أنساه ..
أنا كبير مثل بعوضة لها ثلاث قلوب وثمانية عيون وأكثر من جناحين وعدّة مخالب ولا يستحي الله من أن يضرب بها مثلاً في كتابه …
أنا مُكره يا حبيبتي وأحياناً..
ـ أكثر من بطل ـ
في رواية لا تستحقّ البطولة.
[ 7 ]
لستُ كبيراً ما لم أصغر أمام عبارة قالها بقّال في غيابي و أمام شكوى نامت بين شفتي مظلوم في حضوري .
لستُ شاعراً ما لم تختلف عنّي الشعوب…
عفواً..
ما معنى (شعوب)؟!.
لستُ فارسا ما لم أترجّل.. فأين الحصان ..!؟
[ 8 ]
إليّ بحصان حتّى أبتاعه بمملكة من صخور اللغة وتعب الكلام …
أما آن لهذا الفارس أن يركب ؟!..
أجبني أيها القراد الذي علق بصهوة خيلي وهو يعلم أن ليس ذنبا كي أنشّه و أطرده من فوق سرجي.
(أنتَ لستَ ما تزعم)…
[ 9 ]
لستُ صغيراً كي أكبر بين الصغار ولكنّي كبرت مثل تفصيل في مسرحية عابرة ومنسيّة وقد لا يشاهدها أحد.
كبرت كإهانة وجّهت لأبوين
على مسامع طفليهما
**
أنا لستُ على ما يرام ما لم تقلني خطوات الذاهبين نحو حتفهم، ما لم أخط في اتجاه الكَدَر وآمره بالانصراف من فوق سطحكِ يا حبيبتي، لستُ ريحا ما لم أمسح السحاب عن سمائكِ.
أنا على ما يرام حين أجلس على طاولة القمار مع الأقدار دون غشّ منها ودون أن يأخذني السبات إلى السبات منّي إليكِ.
أنا
على
قلق
و كأنّي حصان فصيح، على ما قلته وكأنّي شهيد، على راحتي وكأنّي أمتطيها، على حين غرّة وكأنّي ضحكة في ميتم، على يقين وكأنّي كاذب، على وشك وكأنّي حكمة، على أهبة وكأنّي صافرة، على غيظ وكأنّي نائم على ركبتي وكأنّي سؤال إلى غير الله ..
وأنا ـ على ـ أفواه العرب.. وكأنّي حرف جرّ في قوافل كلام العرب.
**
أنا
لم
أزعم
شيئا..
الكتابة زعمتني ووعدتني بمآرب أخرى ثمّ ضربت بي عرض البحر كعصا موسى وشدّتني إليها كجذع النخلة ولكن دون أن يسّاقط منّي أيّ رطب جنيّ.
بصراحة أنا لم أجد ما أصارحكِ به..
فإذا كان الكذب هو الإبداع المسكوت عنه فإنّ الصراحة هي الكذب الميؤوس منه.
سكوتي لم يكن إلاّ سكوتا، فمن ذاك البلاغي المرابي الذي قسّم وصنّف الكلام إلى معادن وجعل أعلاه أبيض وأدناه أصفر، وما دخل صيارفة اللغة ونخّاسيها حتّى يجعلوا حضورك ثميناً أو رخيصاً.. بل وما دخلهم بمن في داخلي أصلاً؟!..
الصراحة أنْ ليس في داخلي غير ما كشفته صورة المَخبر الشعاعيّة …
صدق الأطبّاء وإن كانوا شعراء وكذب الشعراء وإن كانوا أطبّاء.
[ 10 ]
ها هو مفتاحي
طويل من المعاطف الباردة والسميكة وها هو الباب يشتمني بصريره المعتاد وها هو الكائن الزجاجي ينتصب على ظهره ويشتكيني إلى السقف هامسا:
إنّه ليس كما يزعم..
وليس كما زعمت..
إنّه معشوقي الأبدي…