وراء كل ثروة فقراء وانتهازيون
وراء كل ثروة فقراء وانتهازيون.. كنت أظن أنه، وكلما ازداد الواحد فقرا وفاقة، كسب من حوله الكثير من الأصدقاء الأثرياء والمترفين ثم اكتشفت أن الأمر لا يعدو أن يكون مجرد إعادة تموقع.
ـ كيف تجري الأمور إذن..؟
ـ إن من كان في الأمس مثلك، صرت اليوم أسوأ منه حالا فقفز إلى خانة الأثرياء في ذهنك، وربما لا يكون قد تقدم قيد أنملة.. وإنما أنت الذي تأخر عن الركب.
نعم فهمتك، أي أن أفضل طريقة يكون فيها الواحد محاطا بالأغنياء هو أن يكون فقيرا. وإذا أردت أن تصبح ثريا فلتهاجر إلى بلاد تعج بالفقر والفقراء.. ساعتها سيغبطك الجميع ويشار إليك بالبنان: هذا هو الرجل المليونير.
الأمر يشبه حال من أراد التخلص من وجع أصاب أحد أعضاء جسمه فيعمد إلى إصابة مكان آخر من جسمه، وبشكل أشد ألما، ليتسنى له عندئذ، نسيان وجعه الأول.. هذا ما يسمونه “نعمة النسيان” على ما أتذكر.
وقس على ذلك في شتى ضروب العلم والمعرفة فيما يُعرف ب”الأعشى في بلاد العميان“، وذلك ضمن النظرية النسبية التي تشترط المقارنة ومن ثم المقاربة.
الآن فهمت لماذا يتجمهر الناس في بلادنا العربية حول كاتب أو فنان كان سيُعد من صنف “النص كم” فيما لو عاش وقدم بضاعته في البلاد المتقدمة.. ولكن، مهلا.. لماذا ينشهر عندهم غير المشهورين في بلادنا عندما يأتون بلادهم؟
يبدو أن الأمر في ظاهره مربك ومحير حقا، لكننا لو حللناه في باطنه لوجدناه واضحا وبسيطا كالماء، وهو أن الناس بطبيعتهم يتجمعون حول الندرة والفرادة ، أضف إلى ذلك اختلاف المعايير الذوقية التي تتطور بتطور المجتمعات، وعلى جميع الأصعدة.
الفقر ـ كما الغنى ـ في البلاد التي تتكافأ فيها الفرص يصبح خيارا حرا لا قدرا محتوما، وكذلك الإبداع الذي لا يؤتى لغير الموهوبين والمجتهدين.
أما في الكثير من البلاد العربية فيصبح الغنى من نصيب المحتالين المتكسبين من أمراض المجتمع، ذلك أن خلف ثروة كل ملياردير الكثير من الفقراء الانتهازيين، أصحاب النفوس الدنيئة كما ورد في إحدى قصص الكاتب التركي عزيز نيسن.
تقول القصة في مختصرها إن سر ثروة أحدهم تتمثل في نصب خيمة ويأتي له الناس من كل حدب وصوب لقطع التذاكر بغية مشاهدة ما بداخل الخيمة التي لا تتسع إلا لفرد واحد ولمدة لا تتعدى الدقيقة الواحدة.
توسع مشروع صاحبنا حتى قارب مئات الخيام التي تقف أمامها الطوابير كل يوم، ولا أحد يقول للذي يليه ماذا شاهد داخل الخيمة حتى قارب عدد الجمهور سكان البلدة بأكملها ليكتشفوا فيما بعد أن ما كان يعرض لم يكن سوى فضلات بشرية، لكن لا أحد يخبر الآخر بما شاهده.