الكبير كبير والصغير صغير
الكبير كبير والصغير صغير.. يروي السينائي الإسباني”لويس بونويل ” أنه خرج مرة في رحلة صيد بصحبة أحد أقرب أصدقائه احتفالا بعيد ميلاده , وقبل أن يتوغّل الاثنان في أرض الغابة تراءى لهما طير شهي القنص و هو يفرد جناحيه في أعلى الشجرة , مسكك صديقه ببندقيته على الفور , صوّب وأطلق فأصاب الهدف بسهولة ورشاقة. أثنى لويس بونويل على مهارة صديقه فشكره الأخير على كرمه في عدم مبادرته ورحابة صدره ثم هرول يلتقط صيده السمين , وما أن أمسك بالطير حتى اكتشف أنه محنّط وقد ثبّتت تحت جناحه لوحة معدنية كتب عليها عبارة “هدية من صديقك لويس بونويل وكل عام وأنت بخير ” .
كان فيكتور هوغو رجلا دمث الأخلاق ومتواضعاً، وفي أحد الأيام وصلته رسالة مكتوب على غلافها : “إلى أكبر شاعر في فرنسا” فنظر إليها متأملاً ثمّ أخذها إلى ” لا مارتين ” قائلاً :” عزيزي “ألفونس” هذه الرسالة لك، وقد أتى بها ساعي البريد خطأً إلى بيتي” . نظر لامارتين الى الرسالة وقال: “ليس هناك خطأ، إنّها موجهة لك، فأنت المقصود، فلا أحد يصل إلى مقامك ” … وبعد أخذ وردّ قرّرا أن يفتحا الرسالة فوجدا أنّها تبدأ بالعبارة التالية: “عزيزي ألفريد…المخلص ألكسندر” والمقصود الشاعر “ألفريد دو موسيه” … لقد كانت هذه أحد ممازحات ألكسندر دوما المعروف بالمرح واللهو والطيبة…
هكذا كان يمزح ويلهو الكبار من المبدعين , ذوي الصدور الرحبة وأصحاب القلوب الدافئة والنظيفة فنتعلّم منهم ونكتشف ذكاء الدعابة ورشاقة الممازحة .. والأهم من ذلك كله ,….أخلاقيات التواضع , على عكس الكثير ممن يحسبون على حقل الفكر والإبداع في عالمنا العربي والذين يعتقدون أنهم “جابو الصيد من ذيلو ” لمجرد أنهم قد أضافوا إلى أكوام القبح و الرداءة .
السماجة قد أعيت من يداويها في المشهد الإعلامي والفني فيخيّم الظل الثقيل على الأقوال والأفعال والتصريحات والممازحات و المعايدات حتى بات جهاز التلفزيون يشكّل مصدر إزعاج وضيفا عديم الذوق في منازلنا.
لعلّ مسرحيات سمير غانم مثلا , والتي تسخر من ذوي الاحتياجات الخاصة بمنتهى الوقاحة ويضحك لها السذّج بكل بلاهة ,واحدة من آلاف الأمثال التي تزخر بها المحطات العربية أثناء فترات العطل والأعياد التي تجعلننا نلزم بيوتنا ونشتكي أمرنا للواحد الأحد.
كلمة في الزحام
فقد المعري ناظره ولزم بيته فكتب أعظم شعره في التأمّلات وها نحن نلزم بيوتنا في العطل والأعياد فنكاد نفقد “شعرنا ” ممّا نسمع ونرى .