عندما انتهى فصل الصيف، ذهب الصرار إلى بيت النملة.. طرق الباب فخرجت لتجد الصرار يمتطي سيارة فاهرة ويرتدي معطفا فخما.
أخبرها أنه ذاهب لقضاء فصل الشتاء في باريس، ورجاها أن تتفقد بيته أثناء غيابه. وافقت على طلبه طبعا، لكنها سألتها من أين له هذا المال، ومن أين له مصاريف السفر والإقامة في باريس؟
رد عليها في زهو “عندما كنت أغني في إحدى الكباريهات، أعجب أحد المنتجين بصوتي فأمضيت معه عقدا للغناء في باريس، طوال فصل الشتاء” ثم استدرك “بالمناسبة، هل ترغبين في شيء من باريس؟”.
قالت النملة في حنق: إن صادفت الشاعر لافونين هناك ـ صاحب حكاية “الصرار والنملة” ـ قل له تبا لك.. وعليك مني ألف لعنة.
هذه القصة كتبها تلميذ تونسي في موضوع تعبير كتابي، حين طلبت منهم المدرّسة تخيل نهاية مغايرة لقصة معروفة، وكان قد رواها لي الصديق “أبو يحي” االذي يعمل ويقيم في إحدى الدول الأفريقية من جنوب الصحراء.
أبو يحي، ذو ثقافة موسوعية، يقنص أطرف وأغرب الحكايات والتعليقات، على عكس عدد كبير من رجال الأعمال في البلاد العربية، والذين عادة ما يكتفون بقنص المال وقد تبلدت عقولهم وتلبدت مشاعرهم.
ولكي لا أجني على الرجل وأجعل الجهات الضريبية تلاحقه من غير حق، فهو باختصار شديد، إنسان مكافح، مجتهد وناجح، وليس من أصحاب المليارات.. وإلا لما كنت تعرفت إليه أصلا.
عرفت “أبو يحي” منذ أيام الإقامة في دمشق حيث كان يدير عملا حرا، ونقضي المسامرات مع أصدقاء ظرفاء من الوسط الثقافي.. ولدينا من الذكريات ما يملأ مجلدا سميكا من القصص الطريفة مع شخصيات تميزت بالبهجة وحب الحياة.
وبالعودة إلى ما غفل عنه لافونتين، في حكاية “الصرار والنملة”، فإن صديقي روى لي ما خطه التلميذ الألمعي في موضوع الإنشاء الكتابي، لأنه يعلم أن سبق لي المشاكسة كتابيا في قصص ابتلعت عقول الناس، وباتوا يتعاملون معها كالكتب المقدسة.
ومن ذلك محنة الصرار،عاشق الحياة وهو يرثي بعزفه السنابل الصفراء قبيل الحصاد ويشحن همم قطعان النمل الخائفة من شتاء قد لا تدركه, والمتهافتة على حبات قد يلتهمها السوس في المستودعات الرطبة.
وكذلك السؤال عما الذي غرر بالأرنب ودفعه الى سباق غير متكافئ مع سلحفاة تحمل بيتها على ظهرها وتمشي متثاقلة كالزمن الصعب.. وغير ذلك من مشاكسات، على غرار الغراب الذي يذكر القارئ في كل مرة أنه ليس ذاك الغراب الذي قرؤا عنه مع الثعلب.
الشغف بالمختلف جعل “أبو يحي” يكتب لي: كل أبناء عمومتك يكتبون كنيتهم بلام التعريف، فلا تختلف عنهم في هذه وشذ عنهم فيما طابت لك نفسك عما سواها.