حزب الحب وبرلمان العشاق
تقدّم أحد أصدقائي الشعراء في تونس من الجهات الرسميّة بطلب تأشيرة حزب يبدو غريباً في عصرنا سمّاه بـ”حزب الحب”.
أرفق طلبه بكلّ ما يتطلّبه قانون الأحزاب حسب الأصول، ابتداء من الطوابع الجبائيّة إلى برنامج عمل، أسماء الهيئة التأسيسيّة، اللجنة المركزيّة، القانون الداخلي، شروط الانتساب وعدد مناصريه من مختلف جهات البلاد …وحتى الأحزاب الصديقة في مختلف أنحاء العالم….إنه حزب أممي بامتياز..
عقد حزب الحب مؤتمره التأسيسي في حديقة عامة بحضور الصحافة ووكالات الأنباء، وجعل الوردة الحمراء شعاره في الانتخابات العتيدة، طامحاً للدخول تحت قبة البرلمان، وربّما الحكومة، أو الفوز بالرئاسة… من يدري .
من حقّه أن يعوّل على صندوق الاقتراع ديمقراطيّاً …وعدد البطاقات التي تدخله وهي تحمل وردة حمراء: رمز الحزب وشعاره … وتيسيراً لمن لا يتقنون القراءة والكتابة، إذ أنّه لا يشترط شهادة محو الأميّة لمناصريه ولا حتى سنّاً معيّناً.
لن يكون حزب الحب في حاجة لدعاية انتخابية ولا إلى مال سياسي قد يضخّ من جهات مشبوهة تملي عليه توجّهاته ومواقفه.
المفاجأة الصاعقة هو أنّ حزب الحبّ جوبه بالرفض من الجهات المعنيّة، تحت ذريعة (لامعقوليّة الفكرة) وتمييع العمل السياسي…ثمّ أنه لا يمتلك مقرّاً رسميّاً، فمن غير اللّائق– حسب زعمهم- أن توجّه له المراسلات إلى عنوان حديقة عمومية.
لم يحصل حزب الوردة الحمراء على تأشيرة العمل وأظنه سوف يستمرّ في النشاط علناً وليس سرّاً على طريقة الأحزاب المحظورة ….لا أحد غير الله يمنع القلوب من الخفقان.
حزب الحب ليس له جناح عسكري لكنّه يعلن مسؤوليته عن كلّ عمليّة خفقة قلب أو لقاء …أو حتى ولادة.
لن يعرف الانشقاقات التي غالباً ما تنخر الأحزاب الإيديولوجيّة، لكنّه سوف يحتكر السلطة إلى الأبد، لأنّه لا يتغذّى إلاّ من القلوب النابضة.
سخرت بعض وسائل الإعلام في تونس من هذه الفكرة السورياليّة، ونعتت صاحبها بالعربدة والصعلكة والجنون، لكنّها لم تنتبه إلى هذا السيل الجارف من الأحزاب التي ظهرت أخيراً حتى ليكاد كل مواطن “نصف صالح ” ناطقاً رسميّاً باسم حزبه.
معظم هذه الأحزاب التي تكاثرت كالفطر لا تقول شيئاً وتتّسع غرفة واحدة أو حتى سيارة أجرة لمؤتمراتها التأسيسيّة، ولا يزيد عدد أعضائها عن نفر في حانة شعبيّة، لكنّ حزب الحب يمنح بطاقة العضويّة إلى كلّ الناس دون تمايز.
أغلب الظنّ أنّ تلك الأحزاب الهستيريّة تريد إقصاء حزب الحبّ عن الساحة لأنها تريد أن تنفرد بالسلطة في حين أنّ الأخير لا يطمح إلاّ لسلطة واحدة إسمها “برلمان العشّاق”.
وحده الحب يجمع بين السلطات الثلاث: التشريع والتنفيذ والقضاء….وربما زاد عنها- مجازا- بسلطة رابعة تعرف تقليدياً بالإعلام….لكنّه سمّاها “الشعر “.
ما أحوج بلادنا العربية إلى مواطنين (عشاق)، ينثرون الورود ويحتجّون على الكراهية والبغضاء …ويحافظون على قلوبهم نقية كالمطر.
لا أعتقد أنّ فكرة هذا الشاعر من أضغاث الأحلام أو من وحي القدح العاشر كما صوّرها البعض، إنها دعوة للمحبّة التي تحاصرها الكراهية هذه الأيام، لكنها لن تجهز عليها مادامت هناك قلوب تنبض داخل أقفاص الصدور.
قد لا أذهب إلى الإنتخابات المقبلة في تونس، ولا أعطي صوتي للكرتونيين وذوي النوايا المبيّته، سوف أحتفظ به احتجاجاً على محاولة كتم صوت الحب.
07.04.2014