واحد يدفع المال لمارسة السياسة وثان يمارس السياسة لقبض المال
الإعلان عن نية الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، العودة إلى مواقع التواصل الاجتماعي عبر منصته الخاصة، يذكّر بالمثل التونسي القائل “طبّال وعرّس لولدو” فتخيلوا طبّالا وقد أقام حفل زواج لابنه المدلل.. حتما سوف يقيم الدنيا ولن يقعدها قرعا وتطبيلا، خصوصا إذا وقع إقصاؤه وحرمانه من التطبيل في أعراس الآخرين.
هذا هو حال ترامب، الذي تم تجميد حسابات على تويتر وفيسبوك بعد أعمال الشغب المميتة التي جرت في يناير الماضي بمبنى الكابيتول، فلقد أعلن مستشاره أن المنصة المزمع إنشاؤها، “ستكون الأكثر شعبية بين وسائل التواصل الاجتماعي، و”ستعيد تعريف اللعبة بالكامل” أي أنّ الطبال الذي سوف يقيم حفلا لابنه الوحيد، سيولم للجميع، ويشركهم في التطبيل، وذلك ضمن نوع من السخاء الانتقامي.
طبعا، من له المال والإمكانيات، يلعب متى وكيفما شاء دون حساب، حتى وإن كان أهوج و أرعن، أو ناشزا ومثيرا للصخب والضجيج مثل صديقنا الطبّال المحروم.
قد يتساءل واحد مثلنا: ماذا دهاك يا دونالد؟ أنت تتربع على عرش إمبراطورية مالية، حققت جميع نزواتك في النوم على فراش البيت الأبيض وبرفقة زوجة من أجمل النساء، فاستمتع الآن في مقر إقامتك بهذا المنتجع الساحر في فلوريدا أو اشرب قهوتك وأنت تنظر إلى العالم ساخرا من أعلى الطوابق في برجك الذي يناطح السحاب بمانهاتن، دون أن تعود لوحل السياسة وتصر على تنغيص العيش على خصومك.
اكتب الشعر، العب الغولف، سافر بطائرتك الخاصة وطف العالم فلك كل ما يشتهيه العالم من “وسخ الدنيا” أم أنك تريد قطف القمر كما فعل الإمبراطور الروماني كاليغولا؟ ما هذا الهوس بالسياسة وأنت داخل البيت البيضاوي وخارجه؟
إنشاء منصة تواصل اجتماعي خاصة بترامب ومناصريه انتقاما من فيسبوك وتويتر الذين فطماه عن تلك التصريحات والتغريدات، أشبه بحالي وأنا طفل حين كنت أحمل الكرة وأدير ظهري عائدا إلى المنزل كلما خسرت في ساحة الحي. وأظن ترامب، يفعل ذات الشيء مع أصدقائه في ناديه “ويست بالم بيتش” بفلوريدا.
أعتقد جازما أن الطبال الفاشل الذي صدّع آذان الجيران بالقرع الناشز على طبلته في عرس ابنه، لا يحتفل بفرح ابنه بقدر ما يريد ممارسة هوايته في التطبيل ومقارعة خصومه في المهنة التي لا يجيدها، لكنه يعشقها ويحب التفوق فيها بإصرار عجيب.
ولعلّ ما يؤكد هذه المقاربة هو أن ترامب قد نشر أول توليه الرئاسة أنه قد تلقىى شيكا بمبلغ 100 ألف دولار، أي ما يعادل رُبع مرتبه السنوي، تبرع به لصالح وزارة الأمن الداخلي. وكان قد وعد بعد فوزه بالانتخابات بأنه لن يتسلم مرتبه الرئاسي.
هو يدفع المال لممارسة السياسة، وزعماء الأحزاب في بلادنا يمارسون السياسة لقبض المال.