كتاب الموقعكلمة في الزحام

إعادة تدوير “القمامة “

إعادة تدوير “القمامة “…البرباش ” اسم مهنة هامشية في تونس تعادلها كلمة “المحبشاتي ” عند أهل الشام …ربما مازالت التسمية غريبة وغامضة لدى موظفي الثقافة المكتبيّة والفئات الميسورة .

“البرباش” أو ” المبحبشاتي ” ينتمي لتلك الفئة التي تبحث عن رزقها في الليل والصباح الباكر عند مكبّات القمامة قصد الاستفادة ممّا يرمى فيها من مواد البلاستيكيك والألمنيوم التي يبيعونها بدورهم لمصانع إعادة التدوير بغية الاستفادة منها لاحقا .

لمحت ذات مساء انعكاس ظلّ “كبير البرباشة ” في حارتي مع القط وهما متساويان في الحجم على الحائط فهرولت بأكياس القمامة لعلّه يستفيد من عبوات الماء وعلب الجعة…. علب الجعة الفارغة طبعا .

استقبل القط كيس بقايا الطعام بفرح لا يضاهى حتى قفزت العظام من بين مخالبه وهي رميم و حرّك ذيله مطلقا مواءه كعلامة شكر و استحسان ، أمّا صديقنا ” الآدمي ” فقد أفرغ العبوات البلاستيكية في جرابه الكبير بمنتهى الهدوء ثم رمق كيس علب البيرة الفارغة و نظر إليّ شذرا وهمس مستغفرا بعبارة ” الله يهديك ويتوب عليك من هذا المنكر” .

عدت أدراجي إلى البيت و أنا أشكّ في احتمال استجابة الله لدعائه لي بالتوبة والهداية .

أخذت مكاني عند الشباك أرقبه وأنا أرتشف شرابا سيئا من فنجان بلاستيكي تافه كنت قد اشتريته بأبخس الأثمان بعد أن أعيد تدويره.

لمحت “البرباش” يفرغ علب الجعة في جرابه الكبير و قد أدخل يديه المتسختين بكيس بلاستيكي كي لا تتسخان يمسك ” المنكر “مباشرة …و إلى جانبه ظل القط العملاق وهو يأكل العظام ، يلهو بعلب البيرة الفارغة ،يشتمّها بشغف وهو ينظر في حزن إلى جثّة فأر كانت قد دهسته سيارة …عفوا , فلنقل “دابة معدنيّة “.

لست أدري لماذا فقدت التعاطف مع هذا ” البرباش ” و أكاد أفقده أيضا مع هذه المهنة لولا أنها تعيل أطفالا يحلمون بأن لا تكون أنوفهم محشورة في القمامة و رؤوسهم محشوّة بالزيف والمكابرة الجوفاء .

كأنّ المعدن الذي صنعت منه علب الجعة هو ليس المعدن الذي صنعت منه أباريق التوضؤ ؟…ومن قال لنا أصلا إنّ هذا ” البرباش” المنافق يعرف قيم الدين التي من الواضح أنه قد علّمه إياها الكذّابون و المتاجرون بالعفّة في أسواق الدعارة السياسية .

هو “يبحبش” في القمامة كي يكسب رزقه , ومن واجب كل شخص أن يتعامل معه باحترام وتقدير مادام لا “يبربش” في الجيوب والمنازل …لكنّ الذين “دمغجوه ” “يبربشون ” في الرؤوس والمشاعر و الضمائر حتى جعلوه أقلّ عفّة من قط شامخ في مزبلة يعاد تدويرها .

كلمة في الزحام

أكتب الآن نصا مسرحيا من وحي هذه السطور المخصصة للموقع و أقول لزملائي المسرحيين , احذروا السرقة والاقتباس فبيتي يقع إلى جانب منظمة حقوق المؤلف في تونس و ليس في قمامتي غير الأوراق والعلب المعدنية .

بوابة الشرق الاوسط الجديدة 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى