التمتّع بالجنسية
التمتّع بالجنسية.. كادت مراسم احتفالية نوبل للسلام في “أوسلو ” أن تجعلني ” تونسيا أكثر ممّا يجب ” وأنا الذي يدّعي التعصّب للحرية وحدها حتى و إن أدّى ذلك إلى تجريدي من جنسيتي التي لا أملك غيرها وما زلت أغالب ضحكتي وأبحث عن وجه ” المتعة ” كلما قرأت على إحدى الوثائق القانونية عبارة “يتمتّع ” بالجنسية الفلانيّة .
كانت العاصمة النرويجية يوم العاشر من ديسمبر ممتلئة بتونس إلى حد التخمة , رحّبت شمسهم الباردة بالذين كانت قد دبغت جلودهم وقلوبهم في الشمال الإفريقي, احتفت المحطّات وعربات النقل بالمترجّلين من صهوة ثورتهم الطريّة , ونزل أحفاد ابن خلدون وحنبعل والكاهنة و الهلاليين والأندلسيين في ضيافة سلالات “الفيكنغ ” بأطباقهم الحادّة وطباعهم الأكثر حدّة .
قدم الرباعي الراعي للحوار بربطات عنق وملامح وأفكار شبه موحّدة , يرافقهم جيش عرمرم من المناصرين والإعلاميين والإداريين والمتطفلين والمنتفعين والمتسلّلين , ممّا دفع بالجهات المشرفة والمنظّمة إلى إحداث تغييرات لوجستية على مراسم هذا الاحتفال الملكي العريق. تسمح باستيعاب الضيوف الزائدين على اللزوم من “غزاة السلام “.
أطنبت المسؤولة عن إعلان الجائزة في مدح “ثورة الياسمين” دون التركيز على أشواكه وغازلت الشعب التونسي حتى خلتها تتحدث عن بلادها ثم تتالت كلمات “الرباعي الراعي ” بدءا ب”الاتحاد العام التونسي للشغل ” الذي لا يختلف اثنان في دوره النضالي والريادي منذ سنوات الاستعمار ,مرورا بهيئة المحامين وجمعية حقوق الإنسان العريقة الأعرق عربيا وإفريقيا دون أن ننسى زلّتها التاريخية مبتسمين في تسمية “الحوار ” ب”الحمار ” وصولا إلى رئيسة اتحاد الصناعة والتجارة بأناقتها ورمزيتها في إيصال الرسالة التونسية المزدوجة .
أمّا طبق الاحتفالية الأشهى والذي بقي طعمه يتيما ومنقوصا فكانت الفقرة الموسيقية الغنائية بتوقيع الفنانة الشابة آمال المثلوثي بصحبة مرافقها ومواطنها عازف الغيتار الأسمر …ئفلكم تمنيت أن يرافق رباعي الحوار فنانون وشعراء ومثقفون بدل شلّة السياح المجّانيين وبعض تجار الشنطة …ولكي تصل الصورة الحضارية لمجتمع بات ينظر إليه الآن كخزّان لتصدير الإرهاب واغتيال السلام .
لكم تمنيت أن تمنح الجائزة لعامة الشعب وليعطى رمزيّا كل مواطن بضع “صنتات” من الدولار, وذلك لقوة صبره وتقديرا لعظيم تحمّله منذ أن قالوا له بأنك تحمل هذه الجنسية ولا تحملك , تمتلكك ولا تمتلكها ….إنك تجسّدها رسالة حب وسلام منذ وثيقة قرطاج الأولى في التعايش بين الضفتين ووصولا إلى احتضان الأشقاء الليبيين في محنتهم حين اقتسم معهم المأكل والمسكن والأمل .
كلمة في الزحام
نعم , لقد تمتّعت بجنسيتي ـ وعلى الهواء مبشرة من أوسلو ـ ثم أطفأت التلفزيون وعدت أدراجي إلى تونس .