شرفات

السكن في حي المالكي الدمشقي !

هل جربت أن تسكن في حي المالكي في دمشق هذه الأيام؟!

وحي المالكي يمتد من الروضة إلى أبي رمانة إلى ساحة عدنان المالكي في الجهة الغربية من العاصمة، وقبل أن تتم الإجابة على السؤال : هناك من يحتج بأن هذا السؤال يقحم نفسه في وقت لايجد كثيرون غرفة يأوون إليها، بل إن صديقة لي أخبرتني أن زواجها يتعثر بسبب صعوبة إيجاد بيت للسكن لأن من وافقت عليه شريف لا يرتشي ولا يستطيع تأمين بيت، وقال لي شاب حشر حبيبته في سيارته في زاوية مظلمة من الشارع : أين سنذهب يعني؟ إلى الفندق ؟!

كل هذه المعاناة لاتهم، والسؤال قائم، هل جربت السكن في حي المالكي؟!

مراكز الإيواء كثيرة لمن لايجد غرفة، وكان على صديقتي أن تنتقي زوجا غنيا بدلا من تعب البال طالما أن جمالها قادر على استقطاب العرسان؟!

كذلك الحدائق مليئة بالعشاق، وهناك من يمضي قيلولته على حافة الرصيف أو على مقعد حديقة عامة، وهناك لوطيون يدخلون إلى مابقي من دور السينما التي لاتزال تفتح أبوابها لزبائن بالصدفة، فيعيشون شذوذهم على أفلام تبث على مدار الساعة..

إذا كله ماشي ..

أما أنا فالسؤال عندي أكبر بكثير من كل هذه الهموم، لأنني أمضي أكثر ساعات يومي في عمل جميل في حي المالكي، فآتي فجرا عند الساعة الخامسة والنصف، وأذهب عند الخامسة مساء، وبين هاتين الساعتين أستطيع أن أصف لكم حي المالكي في كل أوقاته وبخاصة أنني أتجول فيه بين يوم وآخر:

ــ ثمن الشقة، كما قرأنا وصل إلى مليارين وستمئة مليون ليرة، وسمعت اثنين حسما مسألة الليرة وأرقامها الفلكية، وتحدثا عن ثمن بيت واسع للبيع بمليونين ونصف المليون دولار، أي مايعادل رواتب كل الإعلاميين السوريين لستة أشهر، والمكتب الذي أعمل فيه أجرته الشهرية تبلغ نصف مليون ليرة وتساوي راتب عشرة صحفيين دفعة واحدة!

ــ الكهرباء تقطع لمرة واحدة فقط ، وتأتي بمعدل 80 بالمئة من ساعات اليوم، وهناك من تقطع عنه أربع مرات يوميا كل مرة لمدة ثلاث ساعات في مناطق أخرى، أي تقطع بمعدل 80 بالمئة من ساعات النهار !..

ــ المياه عذبة غير مخلوطة بمياه الآبار ..

ــ مصاريف وقود السيارات قليلة لأن المسافات التي تقطعها قليلة جدا، وتكلفة بنزين من يسكن في ضاحية قدسيا الأسبوعية تكفي من يسكن في المالكي لأكثر من شهر..

ــ الأسعار كاوية، لكنها ليست أكثر بكثير من تلك التي في الأحياء الشعبية، والفارق هو أنها بضائع أكثر جودة، حتى تلك المتعلقة بالمعلبات والمنظفات وغيرها يباع منها الأفضل في حي المالكي، أما منتهية الصلاحية، فترسل إلى الأماكن البعيدة، لأن التجار يخافون من سطوة السكان الخمس نجوم! ..

ــ الفتيات يبدون أجمل من غيرهن، ويرتدين أحدث الأزياء ويتعطرن بأحدث العطور، ويتبادلن القبل مع أصدقائهن عند الزوايا ولا أحد يهتم بهن، أما فتيات الضواحي ، فيختفي جمالهن وراء التخلف في ارتداء الملابس واستخدام المكياج الرخيص..

ــ هناك حدائق وأشجار وطرق جميلة، وأجمل مافي الطرق تلك السيارات المغلقة على العشاق ليلا وأحيانا نهارا..

هل عرفتم القصة الآن ؟!

إذا أردت أن تسكن في حي المالكي ، فعليك أن تكون مسؤولا في الدولة من الدرجة الرفيعة، أو أن تكون تاجرا يفيض دخله كمياه النيل أيام زمان ، أو مرتشيا تقبض بالعملة الصعبة، أو خائنا لم تغادر البلاد بعد إلى الخارج، والغريب أن 60 بالمائة من بيوت حي المالكي مغلقة، وقد تركها أصحابها وسافروا بعيدا عن الحرب وهمومها ..

أما أنا، فبعد جمع وطرح اكتشفت لو أنني أسكن في حي المالكي، كنت تمكنت من توفير ثمن بنزين السيارة التي تقطع يوميا نحو أربعين كيلو مترا ذهابا وإيابا، وكان أفراد أسرتي قد وفروا الكثير من تكاليف المواصلات، وكنت قد نجوت من البضائع الفاسدة التي تباع في أحيائنا، ولكن سأعمل بالمثل القائل : صم على ما لا يصح لك، فأنا أقنع نفسي الآن أنني لا أحب السكن في المالكي!

 

بوابة الشرق الاوسط الجديدة

 

لزيارة موقع بوابة الشرق الاوسط الجديدة على الفيسبوك

لزيارة موقع بوابة الشرق الاوسط الجديدة على التويتر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى