الشارع العربي …شارع الضباب
الشارع العربي …شارع الضباب.. وسط مهرجان الغوغاء الذي يحطّ خيامه ويرخي سدوله كل يوم من الماء إلى الماء، ثمّة ميزة نادرة وملكة استثنائية لا تكاد تنعم بها إلاّ القلّة القليلة في زمننا العربي الأهوج وهي ” القلب الدافئ والرأس الباردة “..
وحدها المسافة التي يقيمها العقل والوجدان ـ وبالتناصف قرباً وابتعاداً ـ في قراءة الأحداث هي التي تمنح دقّة الحكم وحسن التدبير والتقدير.
هي أشبه بشعرة معاوية ولكن في الحكمة والعاطفة وبتوازن لا يحقّقه إلاّ صوت العقل الراشد من جهة وصدق الحب والانتماء من جهة ثانية …وذلك هو السؤال بمفهومه الشكسبيري الواسع ومنطقه الوجودي الأصيل .
نعلم علم اليقين أنّ شارعنا العربي بسيط كإيمان العجائز ..وواهن ومعقّد كخيوط العناكب، يحرّكه شعار وينوّمه شعار مضاد …..أمّا قدور المؤامرات التي تعدّ له خلف البحار وفي القصور المغلقة فغالباً لا يتفطّن إليها ـ وللأسف الشديد ـ إلاّ بعد أن يسري سمّها في العروق .
ليس الأمر استعلاءً أو استهتاراً بالمجتمعات العربية العريضة وإن تفاوتت فيها درجات الوعي ومستويات التعلّم والانفتاح، وإنما هي الحقيقة التي لا نتحمّل وحدنا مسؤوليتها كاملة فيما وصلنا إليه .
فمن حضن بيوض الأفاعي ومنح صغار العقارب دفء الأكمّة في دياره، عليه اليوم أن يتحمّل لدغها …ومن منع عنّا التقدّم رغبة في استحواذه على الثروة والنفوذ لن يكون في منأى عن الوحوش العمياء التي فرّخها الجهل والتخلّف وغذّاها الحقد .
هكذا أدرك الغرب ـ وبعد أن وصل الفأس إلى الرأس ـ أنّ خطأه التاريخي كان في إضعاف القوى المدنية والتنويريّة العقلانية لحساب جيوب الظلام والرجعية فبادر إلى “إصلاح الموقف ” ولكن عبر عنوان خاطئ وصندوق بريد ضاع مفتاحه …
لقد عمد إلى النفخ في دمى شبه علمانية ,لكنها ميتة، واللعب بالأوراق المحروقة سلفاً …والنتيجة هي تعميق الهوّة بين الشارع العربي ونخبه الثقافية والسياسية …هذا هو الشارع العربي “الدرويش” والهارب من دلف السلفية الجهادية نحو مزراب العمالة الصريحة باسم العلمانية والشعوذة المدنية الكاذبة .
عربياً، بدأت تونس تصحّح من مسارها بفضل خيارات ثقافية وتعليمية جادت بها سنوات التأسيس الأولى بعيد الاستقلال ومازال مفعولها يشكّل حصناً منيعاً في وجه غيلان التطرّف …عسى أن يكون نهاية هذا العام هو نهاية الكابوس …وسنسقي عندئذ زهور ربيع حقيقي وغير مسمومة .
كلمة في الزحام
هل ينجح “الاستثناء التونسي ” فلا تتلقفنا أقفاص التطرّف الديني ولا أقفاص العسكر ……….بل سماء كاملة من الحرية .