نوافذ

النار العدو

النار العدو… هناك من يقول: دعني أشعل سيجارتي من حريقك”

ـ 1 ـ

ها هي بروفة جهنم مستمرة في سورية. الحريق يلتهم الغابات والشجر، وحين أصبح معظمها رماداً زحفت النار إلى القرى والبيوت.

ـ 2 ـ

أنا محاصر في منطقة صلنفة. النار تساعدها الرياح الشرقية التي تشبه تسونامي. وتجعل خطورة سرعتها أشد هولاً، لأنها تحاصر البشر، فلا نعرف إلى أية غابة سنلجأ؟ ولا إلى أي مرتفعات سنرحل؟ وبأية وسيلة، دون بنزين، سننتقل من النار المجنونة إلى النار الرحيمة؟

أنظر إلى مفردات وجودي الآن، في القرية والبيت والغابة، فلا أرى سوى دخان يتسابق في منع الأوكسجين من الوصول إلى رئاتنا. وخيار الموت حرقاً أو اختناقاً.

أحدّق بالكتب، بأوراقي التي أسجل عليها عبث الحياة، فتزيد الحسرة والحزن على بلاد لا تهدأ رئتها من تنفس المصائب.

أفكر، والحريق يمضي كجيش لتحرير الغابات من بهائها، والأرض من فاكهتها، والبشر من صراعاتها.

ما نفع كل ما نملكه، وماذا نأخذ على ظهور يحنيها الخوف، من متاع الدنيا. أتأمل قمصاني المعلقة على خشب سيحترق، وأطيل الوقوف أمام أيقوناتي الصغيرة في رفوف المكتبة، وأقرأ على الجدران ما سجلته في أزمنة اللقاء وأزمنة الفراق، وأسأل النار، وأنا أتأمل الدخان، أن تبقي على ما لا يلزم في حياتها ومهماتها ومنجزاتها:

“ألم أنذركم… أن الرمال الخشنة ستسدّ مجرى الوقت؟”

“كل ساعة تجرح… أما الأخيرة فتقتل”

“بحياء أحيا، كما لوكنت ضيفاً على غجري يتأهب للرحيل”

“أسباب الوفاة عديدة… من بينها… وجع الحياة”

لم يعد للكلام ذلك الوزن الثقيل للماء في العطش، وللمطر في الحريق، وللنسيم وهو يتحول من موسيقى في شعر امرأة إلى ريحٍ كلما رأت غصن حياة في شجرة أضرمت فيه ضراوتها.

النار العدو

النار هي الجيش الأكبر في الكون، التي تستطيع التفنن في الأذى، وفي سد ثغرات الفرار.

النار صانعة الطبخة الطيبة الأولى… هي هي صانعة الرماد ومبدعة الأشلاء والبقايا.

ـ 3 ـ

أيتها النار… أعيدي إلينا محبتك التي تعني تدفئة عظام الإنسان… وليس تحطيم عظام الحياة.

 

بوابة الشرق الأوسط الجديدة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى