بين قوسينكتاب الموقع

الوصية …!!

كتبت ابنتي التي لم تتجاوز العاشرة من عمرها بعد إعلان الضربة الأميركية على سوريا .. الوصية … توصي فيها بأثوابها ، وكل ما تملك من قطع نقدية بسيطة الى بنات خالها، وصديقاتها اللواتي أصبحن خارج سوريا .. باعتبار أن الضربة
ستقضي على كل من في سوريا … ضحكت وأخذت الموضوع ببساطة.
قلت لها: لا تخافي يا بنتي لن يحصل شيء من هذا …. ولن يضرب أحد سوريا..!
ولكن الفكرة ألمتني بصراحة كثيراً .. رغم كل محاولاتي لإقناع نفسي، واقناع ابنتي بأنه لا ضربة ولا هم يحزنون، مجرد زوبعة في فنجان .. وتحريك للركود السياسي الذي أصاب القضية السورية لسوق الأطراف المتناحرة الى جنيف 2.
ولكن رغم ذلك، عندما تقرأ وصية طفلة بالعاشرة من عمرها .. تشعر بالخزي والعار الذي لحق بالانسانية جمعاء، والتي تتبجح بحقوق الطفل والانسان، وتغتالها عند أول فرصة سانحة ، برصاص المصالح والطمع والسلطة ..
فكيف سأشرح لطفلة في العاشرة من عمرها حقوق الطفل والانسان .. وهي تنعي طفولتها بوصية .. ؟؟
وبأي عين سأنظر بعيون أطفالي، وأنا عاجزة عن تأمين أول حق من حقوقهم ، وهو حق الحياة الأمنة ؟

أي عالم هذا العاجز عن حماية الطفولة ؟؟

أطفال سوريا اليوم، وقبلهم أطفال فلسطين والعراق ولبنان كتبوا وصياتهم .. كتبوها بدم طفولتهم .. قالوا بعلو صوتهم (عطونا الطفولة ).. (عطونا السلام ).. نريد أن نلعب ونحيا بعالم لا حرب فيه، ولا كره ولا سلاح … ليحقق لهم العالم هذه الوصايا،
بتنفيذ حروب أخرى، وقتل أخر، ودمار أخر ..
كيف سأشرح لابنتي، أن منطقتنا محكوم عليها أن تكون دوماً، ساحة للحرب والصراعات ؟
كيف سأشرح لها الصراع الديني المبطن على السلطة ؟
كيف سأشرح لها كم من المال والسلاح  يدفع لتأجيج الصراعات، واشعال الحروب، والذي يكفي لإطعام الجياع حول العالم، وقبر الفقر وبناء مستقبل أفضل للانسان ..؟
كيف سأشرح لها عدد مصانع ومعامل السلاح التي يتم بناؤها، والأموال الطائلة التي يصرفها العالم على اختراع أسلحة مدمرة قاتلة وفتاكة، بدل بناء المدارس والجامعات والمراكز الثقافية الحضارية …؟
كيف وكيف وكيف ما زال صوت الرصاص وآلة القتل والموت الهمجية، هي لغة التخاطب والحوار في القرن الواحد والعشرين؟
وكيف نبذل الجهود للحفاظ على البيئة ، وطبقة الأوزون ، وإعادة التدوير، ونحن نلوث الانسانية بمشاهد القتل والتنكيل، وأصوات الموت وكذب الاعلام وأنين الضمير؟

لا لن أشرح لها شيئاً، لكي لا ألوث إنسانيتها .. لتبقى تحيا ببراءة طفولتها، وتحلم بمستقبل أجمل وغد أفضل لنا ولها .. لأنني أراهن عليها وعلى أمثالها في لملمة الجراح، وبناء الوطن ..

 

05.09.2013

بوابة الشرق الأوسط الجديدة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى