بين قوسينكتاب الموقع

هوشة عرب …

هوشة عرب . في اجتماعات العرب ..  تسمع جلبة .. جعجعة … ضجيجاً .. ترى سبابات تتحرك .. وجوه تتجعد .. مقاعد تتحرك … لتتوقع ولادة قرار عظيم .. تتابع نتيجة الحدث الجلل .. فإذا به تنديد أو استنكار أو لوم … تعود من عالم الخيال إلى أرض الواقع  لتغلق فمك قبل أن تنساه مفتوحاً للذباب  .. كالعادة لا جديد … مجرد … هوشة عرب  .. عاطفيون ..حماسيون .. قليلو الفعل …

وعلى ما يبدو هوشة العرب لا تقتصر على اجتماعاتهم ولقاءاتهم وقراراتهم، فقد تحولت إلى ثقافة  يتوارثونها .. ونمط علاقات ينقلونها إلى أبنائهم .. فهم يلتمون على بعضهم ويناصرون بعضهم في الشتائم والتشهير، ويتكاتفون ضد شخص لا يعرفون لماذا لمجرد أن واحداً منهم قال لهم أنه أساء لهم … أو ضد رأيهم … أو هو خائن لفكرهم … لا يقرؤون .. لايتأكدون .. لا يتحققون … لا يفهمون .. إلا على مزاجهم … لتذهب معهم آخر آمالنا بالأخلاق والإنسانية …

ظاهرة تراها اليوم وبكثرة تملأ صفحات العوالم الافتراضية .. فالتخوين والتشهير والشتيمة  أرخص أسلوب، وأسهل أسلوب..  يستعملها رواد هذه الصفحات ليظهروا كنجوم وهميين ..  ويهاجموا من يختلف عنهم باستعمال أقذر الكلمات وأسوئها ، مستعينين بجوقة من الحاقدين الموتورين ليصفقوا لهم ويؤيدوهم .. وهم لا يعرفون لماذا حتى .. مجرد هوشة عرب .!!!.

نحن هنا أمام مشكلة خطيرة فعلاً،  ساعد على انتشارها العالم الافتراضي غير المحدود بضوابط أخلاقية أو فكرية .. تسمح لأي كان أن يكتب ما يشاء وكيفما شاء .. دون رقيب أو حسيب … فعلى ما يبدو الاعتماد على الرقيب الذاتي والضمير الإنساني ..غير مجدٍ في حالتنا هنا .. لأن الانسان العربي لم يتربى على الحرية المسؤولة ، واحترام الآخر، وأسلوب النقد البنّاء أساساً،  ليجد نفسه  فجأة أمام عالم واسع لا يظهر فيه  إلا ما يريد .. ويقول ما يخطر على باله دون  قيد أخلاقي .. أو دون أن يحاسبه أحد ..
هذه الظاهرة اليوم برأيي هي أحد أهم الأسباب التي حرّفت شعارات الثورات العربية التي قامت على التحرر والحرية من جهة ..وشوّهت المفاهيم الأخلاقية والانسانية من جهة أخرى لأنها تركت المجال مفتوحاً للفوضى الفكرية غير المنضبطة ولا المحترمة للآخر ..

شكل من أشكال الحرية غير المسؤولة  .. القائمة على الفراغ الفكري والسطحية … تدمر الانسان وتشوه قيمته لتساهم من خلاله بتدمير الأوطان القائمة أساساً على العيش المشترك واحترام الآخر وتقبله ..
نحن سعينا ونسعى إلى التخلص من القمع والاستبداد وتحرير العقل والفكر والانسان .. ولكن ضمن حدود واضحة أخلاقياً .. يحاسب من يتجاوزها … أردنا حرية الفكر والرأي والكلمة .. ولكن ضمن ضوابط أخلاقية ومنظومة فكرية تقوم على احترام الآخر والابتعاد عن الاساءة الشخصية والتجريح  … نريد حرية … ولكن حرية مسؤولة .. تحترم الآخر ولا تسيء له .. نريد النقد …ولكن النقد البناء .. البعيد عن الشخصنة والتشهير …
فليس المهم أن تسخر كل جهودك  لتخوين الأخر والتشهير به  لتظهر كم أنت مميز وقوي ومهم ..
المهم أن تستفيد من هذه الساحة الافتراضية الحرة أمامك .. لتعمل على بناء فكر حر واحترام الرأي الآخر .. لتظهر أنك فعلاً إنسان حر .. !

فعلى ما يبدو الغزو الفكري الذي كنا نخشاه .. والقائم على تشويه عقولنا وتدمير أخلاقياتنا التي كنا نتغنى بها.. بدأ يؤتي ثماره .. فانتبهوا  ياعرب على ما تبقى من موروثكم الأخلاقي والانساني من التشويه والضياع .. فقد طمى الخطب وبدأت عقولكم تغوص في الوحل بعد أن غاصت الركب …!!!!

20.11.2013

بوابة الشرق الأوسط الجديدة

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى