كلمة في الزحام

سان فالانتاين( عيد الحب)

 

عيد الحب على الأبواب، وهذه بضعة ورود حمراء أهديها إلى هؤلاء الذين لا يشترون الورد بل يقطفونه خلسة من حدائق الأغنياء، وقد أدمت أصابعهم الأشواك والأشواق.

وردة حمراء لعامل البناء وهو يخاطب حبيبته من أعلى السلّم: حبّنا قائم على أْسس متينة وأْعمدة مسلّحة..  يا حائطا أسند ظهري إليه، يا ارتشافه شاي ” الأكرك عجم” لحظة الاستراحة، ويا مطرقتي التي أْدكّ بها حسد الحاسدين، يا سقالتي الأخيرة وهي ترفعني إلى الأعلى فأْعلى. حبّنا بنيناه لبنة بعد لبنة في عصر المقاولات وأزمنة البنايات المخالفة والمغشوشة.

وردة حمراء لماسح الأحذية وهو يغازل خطيبته في قريته النائية: طريّة وناعمة أْناملك كجلد حذاء ايطالي.. حبك فرشاة تلمّع قلبي الناشف الحزين.

وردة حمراء إلى سائق سيارة النقل الشعبي، حين قال لأم عياله: يا وقود حياتي, يا مقودي الذي لم يفلت من بين يدي في غفلة مني.. يا مكبحي في ساعات الخطر.. يا معينتي على حفر الطريق.. لم تكوني لي يوما دولابا معطوبا أْو صافرة شرطي مرتش.

وردة من البلاستيك الأحمر في مزهرية جافة على طاولة أْحد المسؤولين، ينظر إليها موظفوه المنافقون كل صباح بإعجاب، يقرّبونها من أْنوفهم ويقولون “يا الله ! ما هذا العطر الساحر”.

وردة حمراء ظلت الأخيرة بين أْصابع بائع ورد متجوّل وحزين ليلة عيد العشّاق، وأخرى مرسومة بقلم من رصاص على دفتر طفل لم يجد من يشتري له علبة أْلوان.

وردة ـ كانت حمراء ـ تسقط أْسفل الكرسي المتحرك من بين الصفحات الأْخيرة لرواية جميلة في دار المسنّين.

وردة حمراء ـ نظنّها كانت حمراء ـ تئن تحت مكنسة عامل تنظيف في محطة قطار أْدمن التأْخير وجعلنا ندمن الانتظار منذ أْلف عام.

وردة حمراء إلى كل الفئران المذعورة في شهر فبراير لأنّ القطط مشغولة عنها بالتزاوج في عيد الحب.

وردتان حمراوتان أمام حمار عاشق ووديع, يلتهم الأولى ويترك الثانية لأنثاه، لأتانه الجائعة

وردة حمراء على قبر أبي.. أْتذكر كيف كنت تمسكني بين ذراعيك وتطيرّني إلى الأعلى، إلى الأعلى كوردة حمراء نحو شباك الحبيبة النائمة، كحفنة قمح في وجه الشمس.. إلى الأعلى كصلوات المظلومين.

كل زهور البراري والورود المستحيلة.. كل قطعان السحب التائهة.. كل الطيور اليتيمة التي تسكن قفص السماء.. جاءت لتحط فوق قبرك أْيتها التي ولدتني.

أيتها الأْمازيغيّة الناطقة بلسان عربي، وأْنت تأْخذينني في مثل إلى التّلال والحقول والأحراش لاستقبال الربيع قبل حلوله، وتطعمينني أْعشابا و حشائش لها طعم الحرية, مازال مذاقها في فمي وفي قلمي.

بوابة الشرق الاوسط الجديدة 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى