خاص
ثلاثة معطيات يتميز بها الفيلم السينمائي (أيام الرصاص) للفنان الكبير أيمن زيدان ، الذي عرض في دار الأوبرا بدمشق مساء الخميس الماضي، وهي :
- البناء على الرواية السينمائية المحكمة السرد .
- تجربة الممثل أمام وخلف الكاميرا.
- الممثلون عندما يتعاملون مع أيمن زيدان المخرج .
فقد جاء العرض الرسمي للفيلم في دار الأوبرا بدمشق بعد الحدث الاجتماعي الفني الذي أبهج الأب أيمن زيدان بعرس ابنه حازم زيدان على الفنانة لمى بدور ، وجعله يدور بين ضيوفه ويرقص ويغني ويُحمَل على الأكتاف في جو فني اجتماعي سعيد ، كما جاء العرض بعد حدث لافت في سياق الحياة الفنية السورية في ظروفها السياسية عندما عُرض الفيلم في السعودية ووُصف بالحدث التاريخي بعد قطيعة الحرب المعروفة، وقامت صالات السينما السعودية بعرضه بهدف تسويقه هناك .
لكن ماذا عن الفيلم؟
ماذا عن المعطيات الثلاثة التي أتيت على ذكرها؟
ذهب النص الذي كتبه الفنان أيمن زيدان مع الكاتب أحمد عدرا، ذهب في فكرة سرديته، قبل أن يلد السيناريو الخاص بالتصوير، إلى رواية تستحق التمعن في تفاصيلها التي احتاجت إلى أكثر من مائة دقيقة ، وشكلت خطوة إضافية بعد فيلمي“أمينة” و”غيوم داكنة”، حيث تناول كلاهما الحرب على السوريين، وجاء فيلم (أيام الرصاص) ليشكل نقلة في الأحداث لما بعد الحرب..
تحكي سردية الفيلم عن مساعد في الأمن الجنائي ذي سطوة وجبروت يحال على التقاعد، ويعاني من عزلته أمام أحداث متتالية تفاجئ مسار حياته الجديدة فتزيدها مأساة على مأساوية فقدان السلطة، تهرب ابنته ليلة الزفاف، بعد أن يعتقل الأمن أحد الموجودين في العرس، فإذا هو صراع داخلي يتعلق بشرف ابنته التي فرت من عرسها، في تقطيعات السيناريو نكتشف أنها ذهبت إلى بيت أحد رجال الأعمال الذي يتعرض لمنافسة قوية من خصومه ، ويخططون لاغتياله وإسناد الاغتيال إلى ابنه عبر تنويمه ووضعه في دائرة الشبهة.
يقوم العريس بإخبار المساعد أن ابنته موجودة عند عشيقها، فيذهب لقتلها لكنها يجدها مقتولة مع رجل الأعمال في بيته وهي في ثوب الزفاف، فيقوم بتبديل الرصاصات الفارغة ، ويتجه إلى الأمن الجنائي ويعترف بأنه القاتل !
في هذا المشهد معالجة نوعية للحالة الدرامية مع معطيات المكان والزمان والشخصيات، فالمساعد يجد نفسه محتجزاً في المكان الذي كان يشهد سطوته قبل التقاعد (غرفة التحقيق)، وقد انتبه لينين في قراءته لعنبر 6 للكاتب الروسي تشيخوف إلى مثل هذه النقطة (الطبيب المتسلط الذي يسرق طعام نزلاء العنبر ويمارس عمله وهو الحاكم بأمره، وفجأة نجده مريضا في العنبر الذي كان يشرف عليه )، ، وقال لينين إنها جعلتني أشعر بالرعب.
إذن نحن أمام سردية محكمة الصياغة، تبدأ في عرض السطوة التي ترسم شخصية المساعد، في لحظة غير متوقعة، وهي رفض طلب التمديد لخدمته، ثم تتجه في تلاعب ملحوظ في الأزمنة لتكشف خفايا الحكاية، حيث كانت ابنته تحب الضابط الجديد الذي حل محله في الأمن الجنائي ، وأنه هو من أجبرها على الزواج بابنة زميله في السلك، ناهيك عن التفاصيل الأخرى .
في غرفة التحقيق، نحن أمام معنى سردي ومعنى بصري، والمعنى البصري هو ثقوب الرصاص في خلفية الغرفة ، والتي سطع منها نور الشمس فأوجدت تشكيلا ذا معنى في الخلفية في دلالته الرمزية (الحرب ، الحرية ).
الجائزة التي حصل عليها أيمن زيدان في مهرجان سينمانا في عمان ، تشير إلى مقدرته في إدارة الإخراج من خلف الكاميرا وأمامها، وعندما يكون المخرج هو أحد الأبطال الرئيسيين لابد له من الاستعانة بطاقم عمل يفهم أدواته وقادر على محاكاة مايريده، ولذلك كان الأقرب إلى ذلك هم في وجود المخرج (جود سعيد) (تعاون فني) والمخرج حازم زيدان تعاون إخراجي والفنانة لمى بدور مساعد مخرج.
في أداء الممثلين ، يمكن مراقبة التعابير الخاصة بكل ممثل في كل مشهد من المشاهد، لنكتشف أن تشكيل المشهد الجماعي يحتاج إلى تشاركية في التعبير لم يكن من السهل الوصول إليها لولا آلية انتقاء الممثل التي ساهمت في رسم المعاني الآسرة التي تعصف بها معاني الفيلم. ورغم الأدوار القصيرة للبعض، إلا أنها استكملت اللوحة الفسيفسائية للتمثيل في أجواء العمل التي يتحمس لها الممثلون عندما يعملون مع ايمن زيدان.
الممثلون إضافة إلى أيمن زيدان هم : سعد مينه و حازم زيدان وغابرييل مالكي و سالي أحمد و لمى بدور وحسام سلامة ودلع نادر وغريس أحمر ويامن سليمان وتاتيانا أبو عسلي و قصي قدسية وهاشم غزال و سليمان شريبه وكمال قرحالي ونبيل مريش وخوشناف ظاظا وطارق بيطار و الطفل الكساندر سلوم .وضيوف شرف على الفيلم عبد الفتاح المزين وعلاء قاسم و جود سعيد.
وقد برز نجاح الممثلين الشباب رغم الأدوار القصيرة التي أسندت إليهم ، ويحس المشاهد أن جميعهم يقفون أمام الكاميرا، وكأنهم يعملون في مشروعهم الشخصي بغض النظر عن مساحة الدور.
وثمة نقطة هامة هي أن عرض الفيلم الذي هو من إنتاج المؤسسة العامة للسينما السورية، كان باكورة نشاطات المؤسسة بعد تولي مديرها العام مهند إبراهيم الذي أثنى على الفيلم رغم أنه أنتج قبل توليه العمل وسعى لإنجاح احتفالية العرض الذي حضرته الوزيرة الجديدة الدكتورة ديالا بركات .
بوابة الشرق الأوسط الجديدة
