كتاب الموقعكلمة في الزحام

جائزة (زهير) للسلام..لم لا ؟ .. مجرّد اقتراح.

ما أبشع الحرب.!… كنّاها عرب الجاهليّة استهجانا ب(أم قشعم)، على لسان شاعرهم الحكيم زهير بن أبي سلمى وذلك لهول ضحاياها وفظاعة مشاهدها … وخسارة كل أطرافها، ذلك أنّ لا رابح في الحرب إلاّ تجّارها … والغربان المحلّقة فوق الجثث …. أجمل ما في الحرب هو أن تتوقّف.
لكنّ (هرم بن سنان)_ الرجل المحنّك العجوز قد امتلك شجاعة نادرة في إيقاف نزيف الحرب التي كانت تدور رحاها بين قبيلتي (عبس) و(ذبيان) ، وذلك بدفع الفدية للطرفين المتقاتلين، فكفكف دموع الثكالى والأيتام والأرامل، بلسم الجراح وأوقف الضغائن والأحقاد.
منحه صاحب الحوليات والمعلّقة الشهيرة (زهير بن أبي سلمى) جائزة نوبل للسلام قبل مئات السنين من ابتداعها على يد شخص نرويج، اخترع البارود ولم يعرف كيف يكفّر عن ذنبه إلاّ بتخصيص ميراثه لمحبّي السلام.
تقول الرواية أنّه كلّما مرّ (زهير) – صاحب الثمانين حولاً وقد بلغها –  بمجلس فيه هرم بن سنان يقول:(عمتم مساء ما عدا هرم…وهو أكرمكم)… وذلك لأنّ الأخير كان يأمر له بمائة ناقة كلّما رمى عليه زهير السلام مكافأة على قصيدته الشهيرة التي تمتدحه كصانع سلام.
هكذا يلتقي الكرم بالشعر والحكمة عند العرب في قصيدة تكتب بماء الذهب وتعلّق على باب الكعبة، تجوب الآفاق انطلاقاً من سوق عكاظ وليس من الأكاديميّة السويديّة … مع احترامنا لنوبل التي يتمنّى كل مبدع شرف الفوز بها.
صحيح… لماذا لا يخترع العرب جائزة زهير أو هرم للسلام ويمنحونها كل عام لمن يستحقّها دون تفرقة أو تمييز !؟,
ليس بالضرورة أن تكون قيمتها مائة ناقة، تعجز الطائرات والبواخر على حملها… لنسمّها (الناقة الذهبيّة )على سبيل المثال.
لكنّ المعضلة تتمثّل في أمور كثيرة، تبدأ باستحالة توافق لجان التحكيم وسط هذا التشرذم الفظيع … وتنتهي عند من يستحقّها من جموع مشعلي الحرائق والمستفيدين من (داحس) و (غبراء) أخرى….ثمّ أنّ فاقد الشيء لا يعطيه .
لكنّ صوت الحقّ والحكمة يسمع ولو بعد عشرات السنين ومئاتها، وعلى لسان الشرفاء من الذين تحسّسوا إنسانيتهم، فوجدوا في السلام الغاية التي تناشدها-وقد تدركها-كل الأطراف بعيداً عن الخوف والأنانيّة.
إنّ مجمل من نادى للسلام وأسّس للسلام عبر التاريخ كان ينتمي للفئة التي اكتوت بنيران الحرب الضروس والعنصريّة البغيضة، ابتداء من (يورودوس) الرياضي اليوناني الذي دعا لإيقاف الحرب بين (أثينا) و (اسبارطة) في سبيل تأسيس الألعاب الأولمبيّة، مروراً بمحمّد علي كلاي الذي رفض المشاركة في حرب الفيتنام وكأنّه يشهّر قبضته في وجه هذا العالم الظالم، وصولاً إلى أسطورة الفوتبول (مارادونا)، ومن قبله المغنّي الأعجوبة (فرانك سيناترا)… وغيره من الذين أبهجوا الناس وأطربوا أسماعهم بغير السلاح والبارود.
أمّا العرب من الذين بحّت أصواتهم تنديداً بالحرب وطلباً للسلام فهم قلّة بالمقارنة مع ثقلنا التاريخي والجغرافي، وإذا استثنينا السيدة أم كلثوم التي غنّت نجدة وتبرّعاً لبلادها بعد العدوان الثلاثي ، فإنّ أغلب (فناّنينا) و (رياضيينا) لا ينظرون إلى أبعد من الجمهور والشهرة والجيوب…. وأنوفهم الصغيرة.
تعبنا-نحن معشر العرب- في جلد ذواتنا وتعداد نواقصنا ورثاء ضحايانا، حتى توقّفنا عند عنصر الشجاعة… فابتدعنا مثلاً مشيناً ومعيباً يقول: (اليد التي لا تحبّها، قبّلها وادع عليها بالكسر).
لم يكن زهير بن أبي سلمى يقبّل يد صانع السلام، بل كان يتجنّب لقاءه خجلاً وحياءً من هباته… ولم يكن هرم بن سنان بقادر على إدارة ظهره نحو حرب عمياء ويجعلها تطحن الأخضر واليابس.
ولم يكن أسلافنا على غاية من الحماقة حتى يخطّوا قصيدة بماء الذهب ويعلّقوها على باب الكعبة التي غدت الآن – أو تكاد – داراً للسلام.
السلام على روحك يا زهير بن أبي سلمى الذي كان من الحنفاء التوحيديين في الجاهليّة .
السلام عليك يا أيها الهرم (ابن سنان)، يا من أوقف تلك الحرب المشينة وغيّر من جسد القصيدة العربيّة التي كانت تتباهى بمدح العنف والقتل والوقوف على أطلال الرماد …. ثمّ اتجهت نحو مدح السلام وتمجيده .
يحيا السلام وإن مات في سبيله الناس.

 

بوابة الشرق الاوسط الجديدة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى