كتاب الموقعكلمة في الزحام

ممثل يصفّق لجمهوره

ممثل يصفّق لجمهوره .. أيها التونسي الذي أوشك أن يجهش بالجنون مرة ثانية، اعلم أنّ “المونولوغ” أو ما يعرف بالحوار مع الذات قد حلّ في أيامنا العصيبة بدل “الديالوغ” أو الحوار مع الآخر الذي غاب عن “الآن وهنا” واستوطن في “الأنا” المنكوبة ….رغم كثرة الحديث في أيامنا عن الحوار والوفاق والمصالحة وغيرها من المصطلحات التي تفقد طعمها بعد علكها مرة أو مرتين…تماماً مثل “الشكلس الوطني”.
ليس المونولوغ مجرّد ظاهرة فنيّة مونودرامية تجتاح خشبات المسارح لضرورات إنتاجية وربحيّة تمليها مبرّرات نصيّة، وإنما حالة عامة تزخر بها الشوارع والحانات وصفحات التواصل الاجتماعي التي صارت أندية للمكتئبين والعصابيين، حتى بات شارعنا أشبه بفصل طويل من مؤلفات “غوغول” و”كافكا“.
السبب الرئيس في تفشّي هذا الهذيان الجماعي هو اتساع الهوّة بين الفرد والمجموعة بسبب الاحساس بانعدام الأمان والثقة بين الحاكم والمحكوم …لا بل بين الواحد ونفسه في”أحايين” كثيرة..
رغم هذا “المنجم النفيس”من الحالات التي قد ترفد الدراما الاجتماعية والنفسية والكوميديا الشعبية، مازال معظم الانتاج الفني عندنا باهتاً وممجوجاً ومسطّحاً …وهو الأجدر به أن يتغذّى وينتعش من الأزمات ويؤسّس لذائقة جديدة أكثر عمقاً وإبهاراً وقطعاً مع الماضي .
هكذا حادت البوصلة المسرحية في بلادنا عن هذا المشهد الفجائعي بمفهومه الملحمي الإغريقي واتجهت نحو تعليبه فيما يعرف بالـ”ستاند آب كوميدي” ، أي وجبات من الضحكات السريعة كمحاولة “تطهيريّة” في زمن الاكتئاب والعبوس .
صار من المفارقات الغريبة أن يستجدي المتفرّج الضحك من الممثّل وليس العكس كما يحدث عادة في المسرح الشعبوي، وصار الجمهور “ممثّلاً ” و”بطلاً ” في بلادته وسلوكه الشاذ، كل ذلك يرويه، يحدّث عنه ويسخر منه ممثّل “ماثل” وضاحك من غباء المتفرّج بالمفهوم الحرفي للكلمة …. بينما يصفّق الجمهور ويزداد قبوله على هذه “المازوشيّة ” …..لعلّ ذلك شكلاً من أشكال “التطهير” أيضاً.
هل لنا أن نحسب كل هذا لـ” انجازات ” الثورة و” تجلياتها ” …؟ الثورة التي ردّت على أسئلة كثيرة بأسئلة أكثر غرابة وتناسلاً، وإليكم واحدة منها: كيف حلّت الثورة التونسية مشكلة البطالة التي هي محرّكها الأساسي ؟
بالفعل، نجحت في تشغيل الناطقين باسم حمايتها، وصيانتها وتصحيحها وتخليدها وتمجيدها ومناصرتها …وفّرت مواطن “شغل ” للمحلّلين والمعارضين والموالين والناشطين والحقوقيين والإعلاميين والتأسيسيين والمراقبين والتوثيقيين والهتّافين وكل الجمعيات الساهرة على أهدافها والمنبثقة من رحمها والمصدّرة لـ” شعلتها ” والمتاجرة بأهميتها في المراصد وسبر الآراء….وباقي الأفراد من صغار الكسبة كباعة الأعلام والصور واليافطات وحتى السندويشات في الاعتصامات و الوقفات الاحتجاجية… إضافة إلى الفاشلين من الذين أعفاهم الله من الموهبة قبل 14جانفي…
نعم، نحن نتقن صناعة سجّادة الصلاة ومدّها قبل الجامع والصلاة …..لا بل قبل معرفة الله أحياناً.
كلمة في الزحام: …أمّا السوريون فقد ذهبوا بالكوميديا نحو أقصاها، وإليكم هذه النكة السوداء:
تلتقي طلقتان في الجو ، تسأل إحداهما الأخرى “نظام والاّ معارضة ” ؟
تجيب الثانية ” لا والله عرس”.
تحية لمن يخلقون الابتسامة من أوجاعهم …إنهم يستحقّون الحياة ولهم ترفع القبعات.

03.03.2014

بوابة الشرق الاوسط الجديدة 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى