كتاب الموقعكلمة في الزحام

مناسبات و ” منى …سبات”

أجبرني شهر مارس/ آذار على إسكات التليفون و …لزوم بيتي طيلة أيّامه المدجّجة بالاحتفالات والمناسبات .
مناسبات في أغلبها مبهجة ولكنّي أعترف أنّها محرجة لي شخصيّا، بل وموجعة إلى حدّ الانطواء.
الذي جعلني أطفأ الراديو – والتلفزيون أيضاً- هو أنّ لكلّ (مناسبة) أغنية توغل في الشجن وتصرّ على نكش الذاكرة وجرح الجراح، سواء كانت (سنة حلوة يا جميل) التي أحسّ أنها تسخر منّي في يوم ميلادي، أو (عدت أيّها الشقي) للثنائي التراجيدي كامل الشناوي وفريد الأطرش…و التي تصبّ الزيت على النار .
لا أكاد أتماثل للفرح حتّى تأتيني أغنية (ست الحبايب) بصوت عبد الوهّاب الذي لا أستطيع مقاومته فأهبّ لمعايدة أمّهات أصدقائي لكن كلّ واحدة منهنّ تصرّ على مواساتي بلطف لا أتحمّله وهي تقول: اعتبرني مثل المرحومة أمّك… أضع رأسي على وسادة الغصّة، أحاول النوم فأنتبه إلى أنّ هذا اليوم هو عيد الربيع أيضاً.. أتذكّر والدي الذي يرقد الآن إلى جانب أمّي دون كلام والعصافير التي كنا نطيّرها سويّاً احتفاء بالربيع ، هل أكتب شيئاً يشبه الشعر؟ لا، لن أفعل هذا في يوم الشعر العالمي فأغدو رجلاً مناسباتيّاً وأنا الهارب منها.
أفتح بريدي فأجد رسالتين ، الأولى تخبرني بأيّام الثقافة الفرنكفونيّة والثانية تهنّئني بعيد الاستقلال ..! أترحّم على الزعيمين الافريقيين بورقيبة و(سينغور) وأتذكّر السيّدة عليّة التي كانت أوّل من غنّى لهذا اليوم ورحلت منذ سنوات في مثل هذا اليوم تاركة رائعتها: (عااللّي جرى من مراسيلي). هيهات، لن أمسح دموعي بمنديلي ولن أترك هذه الروزنامة المتشفّية تمعن في إغاظتي، أهجم عليها وأسرّع من عمر هذا الشهر، يعود لي هدوئي كلّما جرّدته من ورقة عاديّة إلى أن يقع نظري على الرقم 27: يوم المسرح العالمي، لعلّ هذا الرقم هو سبب كل ما تقدّم من أتعابي .. أو نتيجة لها .. لست أدري.
مهما يكن من أمر غداً سوف يسلّمني مارس/ آذار إلى أفريل/ نيسان الذي يبدأ بكذبة مثل كلّ الأشياء الجميلة، الصادقة .. والمزمنة .
كذبة الأول من أفريل/ نيسان، يمارسها كلّ مدّعي الصدق دون حرج أو شعور بالذنب، تماماً كمن يمارس الفاحشة في منامه أو خياله، وقل لي ماذا كذبت وكيف كذبت وعلى من كذبت أقول لك من أنت .
لكنّ نيسان/ أفريل يبدأ بمزحة تليها صفعة في أوّل جمعة منه وهو يوم اليتيم .
صفعة في وجدان القاهرين والنّاهرين وغير المحدّثين بنعمة ربّهم أمام كلّ يتيم لم يقدّر له أن يكبر وينجح ويفرح تحت أعين والديه .
نبيلة هذه الالتفاتة لما تحمله من مؤازرة معنويّة وماديّة كما أنّ إحياءها لا يحتاج إلى أغاني تحسيسيّة ولا إلى ومضات إعلانيّة دامعة ولا إلى حركة أسواق مكتظّة ولا إلى سماسرة مناسبات…لنكتفي بالنظر حولنا وفي المرآة.
كلمة في الزحام ……..بطاقات المعايدة صارت بطاقة مواساة.. يبيعها كشك واحد ويختصرها همّ واحد وبلد واحد وشعب واحد اسمه سوريا….أو شعب الله “المنتقم الجبّار” .

17.03.2014

بوابة الشرق الاوسط الجديدة 

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى