شرفات

مسألة الموت والذاكرة| (السر العظيم!)

لا أعرف لماذا نخاف من الموت والموتى.

هذا السر شغل الإنسان منذ بدء الخليقة، فكل إنسان سيموت، وكل إنسان يجهل ما الذي يجري بعد الموت، لذلك اتكأ الإنسان على المعتقدات الدينية المتعلقة بالأمر، وأساسها أن هناك آخرة وحساب وعقاب، وهذا يعني أن هناك حياة أخرى نوعية قادمة ، أما الروح فقل علمها عند ربي !

شغلتني قضية الموت منذ الصغر، فما أن يموت قريبٌ أو جارٌ أو أسمع بموت أحد ما، حتى تفرض الحكاية نفسها. حكاية من نوع خاص، أهم ما فيها أنها لغزٌ كبيرٌ لم يستطع أحد حله منذ بدء الخليقة، وقد أعطتني ملحمة جلجامش مساراً نوعياً لحكاية الخلود لكنها لم تحسم مسألة الموت عندي أبداً !

في الآونة الأخيرة، انتبهت إلى مسألة تتعلق بذاكرة الحواسيب الإلكترونية، وتحديداُ ما يتعلق منها بالذاكرة وحفظ الملفات، فالحواسيب تعتمد على ذاكرة (هارد)، مقسم إلى قطاعات تحفظ فيها المعلومات بأحجام مختلفة، وعندما يفقد شخص ما جزءا من ملفاته يقوم الخبراء بإستخدلم برنامج نوعي مهمته استرجاع المحفوظات الموجودة على (الهارد).

وخطر لي أن يسعى هؤلاء إلى نقل ذاكرة الإنسان الميت إلى هارد ، وخصوصا أن هناك آلية عمل في الحاسوب تشابه إلى حد ما آلية الحفظ في الذاكرة البشرية، فكلنا يعرف أن هناك محفوظات قديمة في الدماغ ، وأخرى جديدة، أي أن الدماغ خزان معلومات هائل، وواجهني السؤال الكبير: هل يستطيع العلم معرفة كل ما يفكر فيه الإنسان حتى لو أخفاه !

تركت جهاز الحاسوب القديم أكثر من عشر سنوات ، وعندما عدت إليه ، وجدت المعلومات التي تركتها كما هي، أي أن الهارد لا يتلف شيئاً، وأن المختصين قادرين على قراءة هذه المحفوظات حتى ولو تم إتلاف الجهاز، وهنا خطرت لي مسألة الموت ، فهل يمكن أن يموت الحاسوب، وماذا عن الذاكرة البشرية ، هل يمكن العودة إليها مع تقدم العلم ، أي يصبح بإمكاننا الرجوع إلى ذاكرة نابليون بونابرت الذي توفي في 5 أيار 1821 ، أو ذاكرة هارون الرشيد الذي توفي عام 809، أو ذاكرة ماركس الذي توفي عام 1883 .

ولو عدنا إلى تلك الذاكرة ، هل سنكون أمام حقائق جديدة للتاريخ ؟!

راقت لي الفكرة ، ففي هذه الحالة سنكون أمام تاريخ نظيف، تاريخ نتعرف فيه على كل وجهات النظر، وكل الآراء ، دون تشويه أو تزوير، لأن الذاكرة عندما تقدم كما هي على القرص المدمج ، لايمكن أن تخفي شيئاً منها .

بدت الفكرة بمثابة خيال علمي، جرني إليها لغز الموت الرهيب الذي تتعثر البشرية في حل تفاصيله ، ومع ذلك لا بأس أن نفكر بالأمر، فربما صار بإمكاننا على الأقل أن نواجه الخديعة الكبرى التي يشتغلون عليها بالتزوير !

 

بوابة الشرق الأوسط الجديدة

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى