كلمة في الزحام

يا إلهي.. حتى المعاناة يلزمها أموال

يا إلهي.. حتى المعاناة يلزمها أموال ..كيف لعاشق فقير أن يعاني البين والهجران متمثلا  قول نزار قباني “عيناكِ وتبغي وكحولي، والقدحُ العاشرُ أعماني، وأنا في المقعدِ محتـرقٌ.. نيراني تأكـلُ نيـراني”؟

من أين لبائس عاثر الحظ، وعاجز حتى على اقتناء التبوغ الرديئة والخمور الرخيصة، أن يجلس في مطعم فخم، على ضوء شمعة، ليكتب قصيدة في حبيبة يتقاطر المطر الأسود من عينيها خلف أسوار قصر مسحور؟

إن لسان حال العاشق الفقير يقول: أنا لا أملك في الدنيا شيئا ذا قيمة.. بما في ذلك “عيناك وأحزاني”.. هل أملك ثمن الكأس الأول حتى أقول ” والكأس العاشر أعماني”؟

الحب حديقة باتت محرمة على المساكين وأبناء السبيل، والمؤلفة قلوبهم. من أنت أيها الفقير حتى تحب؟ اترك قلبك مستودعا للهموم اليومية والمتاعب الحياتية فلا تحمّله أكثر من وسعه. إن القلوب العاشقة خلقت لأهل السطوة والمال، أمّا أنت فلا تمتلك بين ضلوعك غير مجرد آلة لضخ الدماء في جسد يلهث خلف أدنى الاحتياجات.

ليس من حق البطون الجائعة أن تكتب شعرا عذبا، وتمتلئ نبيذا فاخرا وطعاما لذيذا بل ينبغي لها أن تجري عمليات تصغير للمعدة التي باتت متداولة في الأوساط الميسورة.. ولكن، ليس على سبيل التنحيف الجمالي، طبعا.

حتى هذه العمليات المكلفة، فأنت غير قادر عليها أيها الفقير الذي عليه أن يسكت رغبات كثيرة تصهل في جسده النحيف.

حبوب الفياغرا لم تصنع لأجلك يا صديقي البائس.. ماذا تفعل بنوافل الشهوات؟ ابحث عمّا يبرّد رغباتك الزائدة على اللزوم، ف”  الحب دعارة الفقراء” كما قال أحد القانطين من رحمة ربهم، والمقتنعين بأن لا صديق للفقراء إلا السكوت.. قلت “السكوت” ولم أقل “الصمت”.

إن يوما واحدا من الحزن يكلف كما هائلا من السجائر والكؤوس والتحدث إلى أشخاص يحترفون الصداقة يا صديقي، ويربتون على كتفيك كلما أنفقت عليهم من جيبك ووقتك وحزنك.

هل عرفت الآن لماذا يجب عليك أن لا تحب، وأن لا تتحمل تبعات هذه الحماقة من السخرية والتضحية بما بقي لك من كرامة.

الفقراء في بلادنا لا يحبون بل ينجبون أطفالا يورثونهم أوهام الحب، ويجعلونهم يحفظون قصائد نزار قباني، دون أدنى إحساس بالمسؤولية، وتحمل تبعات ما سوف يأتي من معاناة دون تبغ جيد وخمر فخمة، وموسيقى رائقة في مطعم فخم، وعلى ضوء الشموع.

ومع ذلك، نبقى نحن “وحوش العاطفة” على قول الشاعر الكردي الصديق لقمان ديركي، وقول مواطنه الراحل شيركو بيكاس،  ” إن أجمل ساعة طوقت معصمي، كانت آثار عضة أسنانك يا أمي”.

المعاناة مكلفة، وليس لنا بديل غير الفرح.. حتى وإن كان على شكل قهقهة بلهاء أو قبلة تائهة في الهواء.

بوابة الشرق الأوسط الجديدة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى