العقل العربي وعسل الدبابير
العقل العربي وعسل الدبابير… من من البرلمانيين العرب لم يجلس على كرسيّه متثائبا تحت القبّة، دون أن تزكّيه القبيلة، تباركه العقيدة وتدعمه الغنيمة ؟ ..ما عدا القلّة القليلة النادرة التي تقدّر وتحفظ ولا يقاس عليها .
يوما بعد يوم , يؤكّد الواقع البائس والأحداث الموجعة ـ وبما لا يدع مجالا للشكّ ـ صحّة ما ذهب إليه المفكّر المغربي محمد عابد الجابري منذ ثمانينات القرن الماضي في أنّ العقل العربي محكوم بثالوث جهنّمي لم يستطع الإفلات منه في كل اتجاهاته التنويريّة وادّعاءاته التحديثيّة، ألا وهو معضلة “العقيدة والقبيلة والغنيمة ” .
تكمن المشكلة في بنية هذا العقل وطريقة تفكيره …وليس فيما ينتجه من أطروحات يحاول البعض عبثاً معالجتها بنفس الآليات والمنطلقات التي يعمل بها هذا العقل …ألا يشبه ذلك حال الذي يأمل في العسل من أعشاش الدبابير عبر الاعتناء بغذائها أو حتى محاولة تطويرها جينيّا .!؟.
لا بدّ من إقامة قطيعة “ابستيمولوجيّة ” ـ أي معرفيّة ـ بين عقل تأسّس على مثلّث رعب لا يسمح بأيّ إنتاج خارج هذه المؤسسات التي تحتلّ الصدارة والأولويّة وبين عقل حر يعمل خارج ولاءات القبيلة والعقيدة والغنيمة فيحلّق بإنجازاته وفتوحاته بعد أن يكسر هذه القيود الثلاثيّة الأقفال …والتي رمى السلف مفاتيحها في بئر سحيقة مازلنا نهابها ولا نجرؤ على الاقتراب منها خشية لعنة الأجداد وحرصاً مزيّفاً منّا على سلامة الأحفاد .
ليسمح لي المشكّكون في هذا الطرح بمقاربة شعبيّة مبسّطة حول صحّة ما ذهب إليه الجابري هذا الرجل الشغوف بعبد الرحمن بن خلدون ـ منارتنا الوحيدة المضاءة في تاريخ علم الاجتماع … سأسألكم وأسأل نفسي من منّا لم يدخل صالون بيت عربي ولم يلحظ في “صدر الديوان ” صورة الجد الأكبر ـالقبيلة ـ إلى جانبها إشارة أو تميمة أو أيقونة دينيّة مذهبيّة، أي ـ العقيدة ـ و إلى جانبها آنية فخمة أو قطعة أثاث غالية الثمن ـ أي الغنيمة ـ للدلالة على الثراء والوجاهة .
قد يفهم المتشائمون ممّا تقدّم أنّ العقل العربي مصاب بفالج لا يعالج والعياذ بالله، وقد يعتقد المتفائلون أنّ الأمر ليس أكثر من وخزة إبرة أو إصلاح درّاجة هوائيّة نتمكّن بعدها من التحليق فوق السحاب مع الطائرات النفّاثة …لكنّي أصطف شخصيّا مع جيش “إميل حبيبي ” من “المتشائلين ” الذين يؤمنون بأنّنا لم نصب بالضربة القاضية وأنّ ما وقع أهون بكثير ممّا يمكن أن يقع …..إذا سقطت من الطابق الأوّل فاحمد ربّك أنّك لا تسكن في الطابق العاشر …وأنّ لديك بيتا …ولو بالإيجار .
مازلنا نملك عقولاً ولو كانت معتلّة ومتعبة، بدليل أنها مازالت قادرة على تشخيص أمراضها .. والتشخيص نصف الطريق إلى العلاج والتماثل للانتصار على كل عيوبنا .
مازال فينا قوم يقدّرون ما يحملون بين أكتافهم، يقتربون من البئر السحيقة المسحورة بحثا عن المفاتيح ويغامرون بسلامتهم وسلامة أطفالهم بين السوقة والغوغاء .
مازال السوريون لا يزرون وازرة وزر أخرى بعد الجريمة التي ارتكبها نذل إرهابي يحمل الجنسية التونسية في حق عائلة من الموحدين الدروز باسم الجهاد فبعثر الأوراق التي كانت في الأصل مبعثرة ….مازالوا يقدّرون للتونسيين حبهم ومصاهرتهم ومساندتهم ومساهمتهم في المشهد الثقافي من ابن خلدون إلى العبد الفقير لله .
كلمة في الزحام
أكتب هذه السطور على أنغام أغنية ليبيّة شعبية وجميلة يقول مطلعها “سلّم لي على العقل ” أليست أهون من ” سلّملي ع التروماي “.