استراحة بين كارثتين
ثمّة استراحة أكثر فظاعة بين كارثتين، وهي قراءة وتحليل ما يجري في هذا العالم الذي فقد العقل والقلب، إنها كمن يفكّك ألغاما زرعها أكثر من (شيطان) في حقل لا تستقرّ حدوده ولا يريدون له أن يكون فضاء للسلام والحرية والاستقرار.
لقد اجتمع العالم (المتحضّر)على رمي فضلاته في مزرعتنا العربية التي كانت ولا تزال تحلم بالحنطة والثمار والعصافير، استبدلنا المعاول والفؤوس بالبنادق والسكاكين … ولم يترك لنا أزيز الرصاص مجالاً لقصّ الحكايات على أطفالنا قبل النوم… النوم إذا ما استطعنا إليه سبيلا.
(من الجاني)، قصّة بوليسيّة متشابكة الخيوط ومترامية الأطراف في (قطار الشرق المعطّل) ذي العربات المفكّكة والسكك المتداخلة والطرق المقطوعة … وناظر المحطّة النائم .
بين كل خازوق وخازوق ثمّة خازوق ينبت من أرض الوجع، حتى صارت الفواصل والاستراحات أقصر من أنفاسنا، مثل فيلم سينمائي طويل، مملّ … ودون إعلانات… وأجبرنا على مشاهدته حتى النهاية.
تخطّت مجتمعاتنا فورة التحليل السياسي وصار الناس يقولون لبعضهم في سكينة واستسلام: (الله يفرجها ).. نعم، ولأنّ أوضاعاً كثيرة في هذا العالم لا يمكن تغييرها إلاّ بقدرة قادر، صارت علاقتنا بالخالق مبنيّة على التضرّع والاتّكال المطلق بدل أن تكون علاقة محبّة وعمل وانصهار صوفيّ بهيج …كذا الدابّة كلّما ثقل عليها الحمل رفعت رأسها إلى السماء.
حدّثني صديق قادم من بلد (ربيعيّ) شقيق أنّه عندما كان نزيلاً لدى إحدى الميليشيات المسلّحة بصفة (متحفّظ أو معترض) …لا (معارض)، كان يتناوب على (التحقيق ) معه أكثر من (ثورجي) ليمكّن الأخير زميله من (بريك قصير) وكانوا أثناء الاستراحة يمازحونه ويمدّونه بالسجائر، يلاطفونه، يحادثونه بمنتهى اللطف والحميميّة، وكأنهم من أقرب أصدقائه … وعندما تدقّ ساعة (العمل الثوري) ويفرغون من (تأدية الصلاة) ينزعون القناع أو يرتدونه … لست أدري … ويعودون إلى ممارسة أبشع أنواع التعذيب … هل رأيتم أغرب من هذا الانفصام !
قلت له ممازحاً: (لكنّك ما زلت سجين رأي وأنت طليق)، ردّ: كيف؟ أجبته : إنك ما زلت سجيناً في رأيك ولم تغيّره، وحدهم الحمقى والموتى لا يبدّلون ولا يعدّلون من آرائهم … خصوصاً بعد تلك الفواصل الدعائيّة التي عشتها هناك …لا تقل لي لم تزدني إلاّ إصراراً وووو الخ ..
– وماذا تريدنا أن نفعل ؟!
– لست أدري… والله لا أدري.
….استراحة بين كارثتين…
كلمة في الزحام:
تذكّرت ما شاهدته على إحدى القنوات الاخباريّة: لكم أحد أصحاب الآراء المتشدّدة مذيعاً مشاكساً على الهواء فهرّت أسنان الأخير الذي خاطب الكاميرا وهو يضع يده على فمه قائلاً: (شيداتي شادتي، فاشل ونواشل).
20.10.2013