كتاب الموقعكلمة في الزحام

الإسلام الصوفي يكرّم المرأة

أكثر ما اتصفت به السلفية، وبقية الجماعات التي تدعي الأخذ بأصول الفقه وجوهر التدين، هو تلك النظرة الدونية والمسفة في حق المرأة، وطرق معاملتها والنظر إليها كمصدر للفتنة ومكمن للعورة في السلوك والمظهر، لكن الفكر الصوفي، وبرغم نشأته في نفس البيئة والثقافة التقليدية، استطاع أن يكشف عن الجانب المشرق للمرأة عبر مقارباته الروحية المبهجة.

الرؤية الصوفية للمرأة، أعمق وأنقى بكثير من تلك التي تروجها القراءات الخاطئة والسطحية لمن يعتقدون بأنهم على طريق المذاهب الإسلامية السائدة، فالفكر الصوفي ينظر إلى المرأة في جوهرها الإنساني، والتكاملي مع الرجل، ولا يقبل بالمغالاة في الرهبنة والابتعاد عن المرأة بذريعة التطهر، كما لا يهتم لفكرة النقاب وما لها من سذاجة في اختصار المرأة وتقزيمها.

العالم والشاعر الصوفي الشهير، جلال الدين الرومي ( 1207 – 1273)، يعرف المرأة بكونها “لها حقيقتان: جوهر وصورة. ولها وجودان: وجود ظاهر ككائن دنيوي، ووجود باطن ككائن علوي. وكل من الحقيقتين ملازمة للأخرى ولا تنفك عنها ما دامت في هذا العالم الدنيوي، ومؤثرة فيها أخذا وعطاء وإيجابا وسلبا. إلا أن الجوهر في كل الحالات أسمى من الصورة لأنه الجزء الخالد في ذلك الكائن.

ما يؤكد كل ما تقدم هو الدراسة التي حملت عنوان”نظرة الرومي إلى المرأة’، والتي قام بها الباحث هشام بن عامر، ضمن كتاب “المولوية والتصوف التاريخ والآفاق’ الصادر عن مركز المسبار للدراسات والبحوث-في دبي، إذ يقر الرومي بأن النساء “زينة الحياة الدنيا” وفق ما ورد في الذكر الحكيم، فالحق قد زين صورهن وأبدع في خلقهن، بهدف انجذاب الرجال إليهن وتعلقهم بهن، وليسكنوا إليهن “وجعل منها زوجها ليسكن إليها” وبناء على ذلك، فإن الرجل لا بد له من المرأة، ولا يمكنه الانفصال عنها، وليس له أن يدعي الاستغناء عن النساء، لأن آدم لا يستطيع الانفصال عن حواء، وتلك هي إرادة السماء.

ويميز الرومي بين «الطريق المحمدي» الذي يرفض الرهبانية؛ إذ «لا رهبانية في الإسلام» ويبارك الزواج وطلب النساء، ويجعل من تلك العلاقة سببا لسكينة الروح، وسمو الخلق، وطهارة النفس، بالتحمل والصبر والمجاهدة و«طريق عيسى» الذي يوصي بالعزوف عن النساء، والاعتزال، والخلوة، وترك الدنيا. وهو يقارن بين الطريقين ويرى أنهما وإن كان كل منهما يفضي إلى تخليص النفس من أهوائها وتحقيق طهارة الروح، إلا أن الطريق المحمدي أفضل الطريقين لنجاعته في تهذيب الخلق، وتخليص النفس من صفاتها السيئة. فقد أظهر الحق سبحانه لرسول الإسلام «طريقا ضيقا وخفيا» يحقق للروح طهارتها بالمجاهدة والصبر، ويوفقها في الآن نفسه إلى تحمل أعباء الأمانة في هذا العالم الأرضي.

وحسب بحث بن عامر، فإن الرومي يذهب بعيداً جدا في الدعوة إلى حسن معاملة الرجل للمرأة، حتى في الحالات القصوى التي لا تكون فيها المرأة على صواب، ولا يكون الحق بجانبها، لأنه يعتقد أن معاملة المرأة بالحسنى، والصبر على نوازعها وميولاتها، أفضل لطهارة النفس وحسن المعاشرة من محاولة السيطرة والإكراه وسوء المعاملة لأن الضرر يشمل بذلك الطرفين، وتكون الخسارة من الجانبين. وهو يحلل لنا وجهة نظره تلك قائلا «بتحمل جور النساء تكون كأنك تزيل نجاستك بهن. يتحسن خلقك بالتحمل ويسوء خلقهن بالمخاشنة والتعدي. وإذا أدركت هذا طهرت نفسك، واعلم أنهن كالثوب بهن تطهر أدرانك وتغدو أنت نفسك طاهر”.

لا يخفي مولانا رفضه القاطع لنقاب المرأة، عندما يدعم ذلك الرفض بالحجج المنطقية، وعندما يذكر بالفطرة التي خلق الله عليها الإنسان. فالله سبحانه قد خلق الجمال لكي يرى ومن أجله خلق الأبصار، وإلا فما الجدوى من وجودها؟ كما خلق الألحان الجميلة لكي تشنف الأسماع، وخلق المسك والطيب لحاسة الشم. فهل من المعقول أن يخلق العطر للأخشم واللحن للأصم؟ كما هل يعقل أن تأخذ المرأة زينتها لأعمى؟

من الملاحظ أن الرومي بالرغم من أنه، زمن تأليفه لكتاب “فيه ما فيه”، لم يتخلص بعد من رواسب ثقافته الفقهية التقليدية، ومن الرؤية الشعبية المنتقصة للمرأة، لم يأل جهدا في مقاومة النزعة الذكورية في مجتمعه، وإدانة ما تتسم به تلك النزعة من عنجهية وغطرسة تجاه المرأة. فهو بمواقفه تلك يعتبر نصيرا لها، ومتجاوزا لأوضاع زمانه في هذا المضمار.

ويقول الباحث في دراسته: وكأننا به يعتقد أن ما طرأ على علاقة الرجل ب المرأة في ذلك الزمان من تدهور، إنما سببه سلوك الرجل، وسوء تقديره، ونوازعه السيئة، وليست المرأة في نظره هي المسؤولة عما كانت تتعرض له من عنف وقمع، وعن الوضع السيئ الذي كانت تعيشه نتيجة المعتقدات المنتقصة لشخصيتها. فلا إصلاح في نظر الرومي لتلك الأوضاع إلا بإصلاح الرجل؛ لأنه أصل الداء، وإن كان يتوهم أنه يمتلك الدواء.

يرى الرومي أن أصحاب العقول وأرباب القلوب تغلبهم المرأة، أما الجاهلون فإنهم يغلبون المرأة؛

لما فيهم من جفاء ولجاج. وذلك لأن أولئك الجهال تنقصهم الرقة واللطف والوداد للصفة الحيوانية الغالبة على طبعهم. فالحب والرقة من الصفات الإنسانية، والغضب والشهوة من الصفات الحيوانية. وهو يستشهد على هذه الحقيقة ببيان للخبر الذي ينسب إلى الرسول أنه قال: إنهن يغلبن العاقل ويغلبهن الجاهل.

بوابة الشرق الاوسط الجديدة 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى