الثورات العربية : الأشواك تسبق الثمار دائما
الثورات العربية : الأشواك تسبق الثمار دائما .. أقدم التونسيون منذ عامين على حرق التربة الفاسدة في بلادهم لتنقيتها من ديدان الفساد وطفيليات الظلم ,ليعلنوا بعدها مواسم البذار والحرث والسقاية في أرض يظنونها صارت نظيفة ونقيّة ,كذلك فعل ويفعل مثلهم المصريون والليبيون وعرب آخرون ,لكنّ مواسم الجني والحصاد تأخّرت قليلا على ما يبدو., فليس في هذا الأفق الحانق غيمة واحدة تبشّر بغيث نافع ولا في هذه الأغصان الشائكة برعما واعدا يبشّر بثمار الكرامة وفاكهة الحرية.
هل كانت شعوبنا ونخبنا الثقافية والسياسية واهمة ,تبذر عكس الريح ,تحرث الصخر وتسقي الرمال ,أم أنّ مواسم الحصاد والقطاف في قاموس الثورات تكره المستعجلين ولا تبوح بثمارها إلاّ للأجيال التي سوف تأتي ,تماما مثل النخيل الذي علّمنا – نحن العرب – الصبر أكثر ممّا يجب.
هذه الحكومات التي قامت في تونس ومصر وليبيا مازالت هشّة طريّة وكأنّها دون سيقان أو حتى شعيرات مغذّية,تريد أن تمتدّ لتصير جذورا …لكأنها زرعت في غير تربتها وهوائها ,رغم تشدّقها بالشرعيّة والاحتكام إلى الصندوق الانتخابي الشفّاف الذي لم تعهده شعوبنا من قبل .
إنها أوهن من بيوت العناكب التي تهتزّ لأبسط الأصوات والأحداث ,ودون الحاجة إلى استعارات مجازيّة أخرى والتذكير بأنّ العنكبوت تترمّل باكرا حين تأكل لحم ذكرها مباشرة بعد الزواج.
(المكتوب مبيّن من عنوانه) و(لو بدها تشتّي كانت غيّمت ) وقس على ذلك من أمثلة شعبية عميقة الفطنة والدلالة لدي مجتمعاتنا الممتدّة على قلقها وانتظارها من بلاد الشام والعراق شرقا حتى ضفاف المحيط غربا ,لأنّ المقدّمات تشي بالنتائج ولكي لا نصل إلى القاعدة الفقهية القائلة :(ما بني على باطل فهو باطل) والعياذ بالله….وفي المقابل ,معاذ الله أن يتسرّب الإحباط وتخور العزائم والهمم منذ الخطوة الأولى في طريق طويلة وشاقّة ,لكنها أرحم من المستنقع الذي كنّا فيه …والذي ما أطعمنا يوما من جوع وما آمننا من خوف.
لكنّ الحقيقة التي أطلّت برأسها واضحة كالشمس في دول الربيع العربي هي أنّ الحكومات التي وصلت إلى سدّة الحكم برفقة خطاب يعزف على أوتار الحرمان العاطفي والفراغ الروحي والبحث عن (منقذ من الضلال) قد أثبتت افلاسها وعجزها في معالجة ما هو طارئ وعاجل وأساسي ,بل عمّا قامت الثورات لأجله : ألا وهو الحق في العيش الكريم ودون ظلم أو قيود …وليس التصدّي لتحدّيات الحاضر والمستقبل بنقاب ولحية وبعض الأدعية .
إنها المطالبة بحياة حرّة كريمة تليق بمواطن شريك لا بعبد أو زبون أو أجير ولا بأداء فروض العبادة وممارسة(حق وواجب) التكفير والتحريم والتجريم والقتل والتنكيل.
اختارت غالبية كبيرة من شعوبنا (الطيّبة الطيّعة) وبمحض إرادتها (المسلوبة) جماعة أقلّ ما يقال فيهم أنهم (يخافون الله ) بعد أن أدمت قلوبهم سنوات الذلّ والهوان ,وإذ بها تكتشف ما اكتشفته في مدّة زمنيّة وجيزة ,أي أنّ هؤلاء قد استهلكوا شرعيتهم الانتخابية قبل انتهاء تاريخ الصلاحية …وطفقوا يبحثون عمّا يبرّر استمرارهم ويضمن (أبديتهم) في سدّة الحكم بطرق شتى ,تبدأ بتخوين الخصم وتنتهي بتكفيره ….فكانت الصفعة التي أيقظت شعوبنا من هفوتها التاريخية …ولعلّها الطلقة الرحيمة التي سدّدتها حكومات الربيع المغدور إلى رأسها من حيث لا تقصد .
هبطت أسهم الاسلاميين في تونس بسرعة لافتة ,وعلى نحو أشبه بالخميس الأسود في تاريخ أسواق المال ,خصوصا بعد الأحداث الأخيرة المتسارعة التي اتّحدت فيها القوى اليسارية والديمقراطية والليبرالية, والتي كانت قد دخلت الانتخابات الأولى متفرّقة فكان لحركة النهضة ما تريد ,أمّا الآن وقد باتت قوّة ضاربة فإنها صارت تلوّح بكلمة(ارحل) التي عصفت بنظام بن علي .
لكنّ الاسلاميين في تونس – كما في مصر – ليسوا بن علي ولا مبارك ,فلهم خزّانهم الانتخابي وحديقتهم الخلفيّة من السلفيين وفلول الجهاديين والمأجورين والمغرّر بهم , رغم الاختلاف الظاهر والمفتعل أحيانا ,فهيهات أن يتركوا السلطة وقد لعقوا من عسلها ولم يبالوا بقرص نحل المعرضة المدنية المسالمة.
إنهم يحضّرون لما يعرف بالخطّة (ب) في حال سقوطهم شبه المؤكّد في الانتخابات القادمة وهي تعكير الأجواء وعرقلة الحملات الانتخابية عبر حوادث أمنيّة منظمة للقول بأنّ الطريق إلى صندوق الاقتراع غير سالكة …خصوصا وأنّ الحكومة هذه الأيام تلوّح وتنذر وتخوّف من هول تسرّب الأسلحة إلى البلاد .
*كلمة في الزحام :
إذا كانت الديمقراطية سفنا ,فشتّان بين من يحرقها خلفه خوفا من أن يستخدمها غيره …وبين من يبقي عليها ثمّ يمضي قدما نحو بلاط الشهداء….وإلى أن تلامس أصابعه الشمس.