في الناس المسرّة .. وعلى الأرض السلام
في الناس المسرّة .. وعلى الأرض السلام.. تخيّلوا لو أنّ بابا نويل قد كتب مذكّراته من اليمين إلى اليسار،عكس عقارب الساعة … وباتجاه دوران الأرض … أي بالعربيّة التي تحدّث بها (ورقة بن نوفل) و(قس بن ساعدة ) و(جرير ) و(اسحق بن حنين)…. ومن بعدهم جبران خليل جبران وميخائيل نعيمة وبطرس البستاني.
ترى، ما عساه أن يكتب هذا القدّيس المتّشح بالأحمر والبياض، وكيف سيقدّم نفسه في القرن الواحد والعشرين:
(اسمي (سانتا كروز) ، ويحلو لبعضهم تسميتي بـ(بابا نويل) – رغم أنّ لا امرأة لي ولا ولد- … أغلب الظنّ أنّي ولدت في أوروبا الشرقيّة ومتّ ودفنت في مدينة (باري) الإيطاليّة. لا يهم إن تضاربت حولي الروايات، ما دمت أبعث من جديد عشية يوم الميلاد وأدخل الفرح إلى قلوب كل الناس مهما كانت عقائدهم وأفكارهم وانتماءاتهم.
قيل أنّي أدخل من فوهات المداخن فلا تتّسخ لحيتي البيضاء ولا أحترق .. ولا (أتشحور)، أضع الهدايا تحت شجرة الميلاد ثمّ أغادر دون أن ينتبه لي الأطفال الذين يغطّون في نوم عميق.
حسناً، بالله عليكم، هل تعتقدون أنّي أمتنع عن الدخول لبيوت الأطفال الذين لا مدافئ لهم ولا مداخن ولا حتى نقوداً لدى أهلهم لشراء الحطب أو المازوت … ثمّ من قال لكم أنّي لا أزور أطفال النصف الآخر من الكرة الأرضيّة الذين ينعمون بالصيف في مثل هذه الأيام…!؟.
أنا أرتدي المعطف السميك لدى أهل الشمال، أركب عربتي التي تجرّها الأيائل فوق السحاب ولا أحلق لحيتي التي تدفئ وجهي البارد… لكنّني ألبس ثياب الصيف في المناطق الساخنة وألهو مع الأطفال فوق الأمواج على عربتي التي تجرّها الدلافين بكيسي الممتلئ بالمثلّجات.
أنا زنجيّ في إفريقيا وأبيض في أوروبا وأصفر في الصين وأحمر في بلاد الهنود.
أنا أحمل جرساً للذين فقدوا البصر وشموعاً للذين فقدوا السمع … وأركب عربة للذين فقدوا السير على أقدامهم.
أنا عجوز ينفخ دفئاً في مدن الثلج، لكنّ أنفاسي ضعيفة …و كيس الهدايا مثقل بقصائد الخوف والاحتضار.
عذراً يا أحبّائي الصغار، لم يتسنّ لي زيارتكم غير مرّة واحدة في العام … أمّا الجوع والمرض والتشرّد فإنّه يزوركم كلّ دقيقة … وفي غفلة من الضمائر الحيّة والميتة وأهل السياسة والسلم والحرب.
أيها الأطفال المترفون من الذين ينعمون بالدفء في أحضان آبائهم ومجتمعاتهم وحكوماتهم، إنّي أدعوكم للتفكّر في رفاقكم من الذين لم يعرفوا من الطفولة غير سنّها … ومن السعادة غير اسمها … ومن العدالة غير تلك التي يتشدّق بها الكاذبون … وتجّار الرقّ الطريّ
والرقيق.
اسمي (بابا نويل)، بابا لمن لا أب له … و(نويل) لمن لا يحتفل بيوم ميلاده … لكنّ ميلاد المحبّة يحتضن كلّ أيتام الأرض ويعلن ميلاد كل من لم يولد بعد …على أرض السلام.
قد أكون ابتداع فقير أو أمنية مقهور أو اشتهاء محروم ، لكنّني حقيقة يجب أن تشرق في سماء مدلهمّة بالكراهيّة ومعفّرة بغبار الألم والمعاناة.
قد أكون وهماً لمن لا تهمّه الهدايا المحسوسة، لكنّي حذاء للحفاة وغطاء للعراة، سقف للمشرّدين وغذاء للجائعين … أو في أبسط الحالات، تذكرة لأولي الأمر والألباب وأصحاب القلوب التي ما زالت تنبض بالمحبة.
نسيت أن أذكّركم وأنبّهكم يا أعزّائي الأطفال، أنّ بعضهم يتنكّر في زيّ بابا نويل ويحمل في كيسه الأسلحة والمخدّرات التي هي أطول من قاماتكم و أعماركم … والأفكار العنصرية المسمومة التي لا تجرّ إلاّ الويلات.
لا تنتظروني كلّ عام، بل تذكّروني كلّ دقيقة، لأنّ هذا العالم لا يستقيم إلاّ بالمحبّة، تذكّروا أنّ الأخيرة تبهج الروح والجسد، أمّا الكراهية فتقصف العمر أثناء كل طلقة …. إنها بيض الأفاعي وحصاد الأشواك الدائم في فصل الجحيم.
أعزّائي قرّاء العربيّة وكتّابها، كنتم ولا زلتم خير أمّة أخرجت للناس من باب الطوارئ الخلفي، لكنّ كيس هداياي هذا الموسم ثقيل جدّاً، بالأقلام والألواح والكساء والغذاء … والخرائط التي عليها أن تذكّركم في كلّ مرّة أن الورق يختصر الجميع ويحدّث عنهم … لا تنسوا أبداً أنكم تكتبون باتجاه دوران الأرض … مهما دار الزمان.)
كلمة في الزحام:
أقسم أني شاهدت بأم عيني ” مسحراتياً ” بطبلته الصغيرة و “بابا نويل” بناقوسه الصغير ذات ليلة باردة في دمشق … لكنها كانت دافئة جداً.
26.09.2013