الناجح ينزّل يده
الناجح ينزّل يده ..الصديق الباحث والمترجم التونسي شريف مبروكي، كتب على صفحته. يوم صدور نتائج امتحانات الباكالوريا، تدوينة تقول: مبروك لكل من رسب اليوم في الباكالوريا. فتلك ربما فرصة للتحرر، للهروب والبحث عن شيء آخر غير مواصلة تعليم فاشل ومترهّل لسنوات قد تطول. وعقّب مبروكي بقوله: ربّما هي فرصة أيضاَ للانحراف وما فيه من إغواء ومتعة.
وأزيد على قول صديقي بأن النجاح في الباكالوريا يكلّف العائلات التونسية مصاريف إضافية لم تكن في الحسبان. وتزيدها همّا على همومها في المنظور القريب قبل البعيد، على الأقل.
هذا جاري “حسني” صار يكبح رغبته ويعدّ ما يشربه من الزجاجات الصغيرة الخضراء خشية أن يداهمه نجاح ابنه الكسول وهو لا يملك من المال ما يقتضيه واجب الاحتفال بالنجاح المفاجئ.
جلس حسني إلى جانبي مهموما أمام قلم وورقة يحاول إعادة جدولة حساباته وديونه. وكنت أدعو له بالفرج، لكن ابنه فعلها ونجح، وأفرغ هذا الكسول كل ما في جيب أبيه من مدخرات في الحلويات والمرطبات والمشروبات الغازية التافهة.
ما فعله ابن حسني كان على عكس ما أنجزه ابن الفلاح البخيل من إخفاق. إذ قدم على أبيه يوم إعلان نتائج الباكالوريا مبشرا وهو يقول”هل تتذكر الخروف الذي وعدتنا بذبحه يا أبي يوم نجاحي.. لقد كتب له عمر جديد”.
الدعوة إلى الاستثمار في الرسوب، مسألة فيها بعد نظر في بلد يريد جميع أبنائه أن يجلسوا خلف المكاتب وأمام مقاعد التدريس ينتظرون الرواتب من الدولة المنهكة بالديون والفساد والأزمات الصالحة للتصدير.
التونسيون والتونسيات، وعلى الرغم مما يخنق أنفاسهم من شدائد. فإنهم من أكثر الشعوب احتفالا بالباكالوريا التي تبقى ذات وقع خاص في البلد الذي راهنت فيه دولة الاستقلال على التعليم فكسبت الرهان وخسرت الحيلة في معالجة هذا الكم الهائل من الشهادات الجامعية التي علقها أصحابها على جدران بيوتهم وجلسوا يتثاءبون.
الإناث اللاتي تفوقن على الذكور في تونس من حيث الإقبال على الدراسة والحصول على معدلات عالية. مؤشر قد يبدو إيجابيا مقارنة بالمحيط العربي، لكنه ينم عن يأس مبكر لدى الذكور ـ كي لا نقول وعي مبكر ـ بعبثية الدراسة دون الحصول على موقع شغل.
أما بالنسبة إلى الفتيات، فلا بأس من التحصيل العلمي لمقاومة العنوسة وفرصة الحصول على شريك يتحمل معها القسط الأكبر من هذه الحياة القاسية ثم أن المستوى التعليمي يعوضها عن نقائص كثيرة أخرى.. هذا ما يمكن قوله للمخدوعين والمغالين في “الفيمينيزم”.
يوم صدور النتائج، احتفل طفلاي مع أترابهم مرددين ” لا كتاب لا كرّاسة.. ملاّ راحة من الدراسة”. وردد المراهقون “حالي حالي حال، مالي مالي مال..أولها تلميذ وأخرها بطال”.. ومع ذلك نمضي محتفلين بالنجاحات والهزائم على حد سواء.. المهم هو الاحتفالات زمن الاختناقات.