بين قوسينكتاب الموقع

ولا في الخيال ….. !!

لم أكن أتوقع ولا في الخيال، أن أسمع قصصاً وروايات كالتي تحدث اليوم حقيقة في سوريا ..
قصص لا تعرضها قنوات إعلامية، ولا تفبركها أيد دخيلة غادرة خارجية .. إنها وقائع أحداث يومية يعيشها أهل سوريا في بعض المناطق الحامية .. وبعض المناطق التي أصبحت منسية …

فعقلي يقف عند عتبة يرفض بعدها التصديق .. وقلبي يخبرني لا تصدقي هذا هذيان وتلفيق ..
ولكن من يتكلمون ومن يروون هم مجرد سوريون عاشوا الحدث كما هو ونقلوه دون أي هدف إعلامي أو كسب سبق صحفي ..هم مجرد ناس فقدوا بيوتهم وأملاكهم وأبنائهم وحيواتهم … وهرعوا خائفين … متألمين …
لن أخوض تفاصيل روايات وأحداث 1000 يوم من المعاناة والعذاب .. فكل شخص هو حر بقص روايته وإخبار العالم بها وكل قصة بذاتها هي مقال ورواية وكتاب … والأيام كفيلة بكشف الحقائق وفضح المستور .. أو دفنها في غياهب النسيان لتترك مجالا للمصالحة والمسامحة والغفران .. ليتمكن الناس من إعادة بناء حياتهم  والبحث عن سبل التأقلم والعيش والاستمرار من جديد … وهذا لن يكون إلا بتطبيق العدالة الانتقالية، التي تقوم على مقاصصة ومحاسبة المجرمين والقتلى، والمساهمين في قتل الناس ودمار الوطن … لفسح المجال للمسامحة والغفران أن تكون حقيقية صادقة .. ولكي لا يتحول رموز الحرب وأمرائها إلى قادة السياسة والمرحلة الانتقالية، وحتى لا تذهب تضحيات الشعب سدى .. ولكي لا يشعروا أن دماءهم رخيصة لا قيمة لها ..

فالمسامحة والمصالحة القائمة على قاعدة العدالة والقانون .. هي العلاج الناجع والحل الأمثل لاجتثاث الأحقاد والضغائن من النفوس، ولضمان استمرار العيش المشترك دون رغبة بالثأر والانتقام .. طالما القانون موجود والعدالة والمساواة مطبقة على الجميع …يمكن لنا أن نتأمل أن ينسى هؤلاء الناس الجرائم التي ارتكبت في حقهم بعد أن يأخذ لهم القانون حقهم … ولا يعودوا مضطرين لأخذه بأنفسهم …

هذا ما لم يتم في التجربة اللبنانية .. والتي انتهت الحرب الأهلية فيها بصدور عفو عام ومصالحة وطنية .. ليتفاجأ اللبنانيون أنفسهم ، بأن من كان يقتلهم ويتقاتل معهم هو عاد ليتحكم بهم ويحكمهم … لذلك ما تزال نزعات الرغبة بالثأر والانتقام متوقدة .. وشرارة أي حرب أهلية قائمة .. وقودها مجرد خلاف أو سوء فهم ..

لم يكن عرضي لهذه الفكرة إلا بناء على نقاش طويل مع بعض المتمترسين في السياسة اللبنانية ، وثقافة المسامحة والسلام .. والذين يعملون اليوم بكل الامكانيات والسبل المتاحة أمامهم، لإحياء ثقافة المسامحة والمصالحة والعيش المشترك على قاعدة بناء السلام، وترسيخها في المدارس وتلقينها للأجيال القادمة لتمحي من قلوبهم ونفوسهم الضغينة والحقد تجاه الآخر، ورغبة الثأر والانتقام من قاتل جده ووالده وعمه وخاله … لتعود عبارة العيش المشترك حقيقية وفاعلة … وليتم بناء وطن على أسس العدالة والمساواة والقانون ..

ذلك يتطلب عملاً يستغرق وقتاً طويلاً وجهوداً تربوية وتوعوية جبارة .. ولكن تستحق فعلاً هذه الجهود،لأنها ضمان للمستقبل ولإعادة بناء وطن ..

فكرة قد تكون مبكرة بعض الشيء على الحالة السورية المتشربكة والمعقدة كثيراً .. ولكن طرحها الآن قد يكون بداية تفكير بمرحلة هي الأهم لبناء وطن على قواعد سليمة .. خاصة بعد كل هذه الدماء والدمار والأحقاد الطائفية والسياسية .. فكرة نتمنى أن يحملها قادة المرحلة الانتقالية اللذين لا نعرفهم إلى اليوم .. والذين نتمنى أن يقلبوا المعادلة لصالح الشعب .. الذي اكتفى من اللعب به لمصالحهم  … فكرة أحملها لمن سيحضر جنيف اثنين .. من كل الأطراف .. والذي إلى اليوم لم نعد متيقنين من انعقاده قبل الانتهاء من تدمير البلد .. !! ولكي لا ننتظر المجهول .. نفكر ببناء المستقبل ونبدأ من الآن التفكير بحلول أفضل ، نقطة برأيي هي الأهم لانطلاق أي عملية سياسية … لأجل مستقبل سوريا …

 

11.12.2013

بوابة الشرق الأوسط الجديدة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى