كتاب الموقعكلمة في الزحام

كيف لي أن أحبك وأنت أمامي…

كيف لي أن أحبك وأنت أمامي…

[ 1 ]

ما معنى أن أطرق باب بيتكم و أستعير مكواة أو ملحا أو فرداً… (للتبخيش) في منتصف الليل دونما سبب،
ما معنى أن أحاور أباك في الباتون والعولمة والفوتبول وغلاء المعيشة وهو بكامل شواربه وجلاّبيته و أرجيلته،
ما معنى أن أنصت إلى أمكِ السّمينة وهي تفصفص البزر وتشتُم جاراتها وأشرار المسلسلات،
ما معنى أن يسألني خالك عن مصروفي اليومي دون أن أسكب كأس الشاي الساخن على قميصه الزهري،
ما معنى أن أبتسم إلى أخيك الصغير وأثني على ذكائه وهو يعبث بموبايلي ويغنّي لنجوم الكليبات…

[ 2 ]

ما فائدة أن أحبك
وأنا متجهم كسماء كانون
كارهٌ لنفسي ووقتي
خجلٌ من نزواتي
وغير واثق من صحّة كلامي..
**
ما فائدة الكلام عن العشق في زمن الاكتفاء بالحديث عن العشق..
ما قيمة الخرافة دون تصديق,
ما قيمة كتاب لا يتذكّر عنوانه عمّال المطابع.

[ 3 ]

كيف لي أن أحبك
دون أن تبلّل السماء راحات قومي في صلاة الاستسقاء؛
دون أن ترتطم دعوات المظلومين بأقمار التجسّس؛
دون أن يُلصق بي صديقك القديم إشاعة كاذبة؛
ودون أن أراوغ وأكذب وأدّعي بأنّي مشغول بقضايا كبيرة ومصيريّة.

[ 4 ]

إليَّ بفيلم خرافي كي ندخل صالة عرضه سويّا وتشتاق يدي إلى يدك قي الظلام سويّا ونبكي على أبطاله بعد نهايته سويّا….
إليَّ بمطر نقيّة كي نركض تحتها طويلا وفي شارع نظيف دون حفر…
إليَّ ببيت فسيح كي أطاردك بين أثاثه وحدائقه وزواياه…
إليَّ بنادل مطعم أو سائق تكسي أو ناطور بناية يحيّي العشّاق كما في الروايات والأفلام دون احتيال…
إليَّ بفرس أبيض دون حدوات, يركض فوق الزفت دون انزلاق ودون أن يجفل من صافرات الشرطة والشاحنات…
إليَّ بمثل عبد السلام النابلسي كي يسهر معي ويتحمّل نزقي دون ضجر,
إليَّ برواة ثقاة يخبّرون الأجيال عن حبّنا دون أن يتّهمونا بالابتذال والسوقيّة والعمالة للأجنبي.

[ 5 ]

مللت الحب…
رواية مملة في ختامها يطلّق الأبطال..
مللته مسلسلا في حلقته الأخيرة يعود الزوجان للولد والفراش وسقاية الأزهار
مللته قصيدة يكتبها شاعر كمصيدة أو تاجر كصفقة أو متصاب كموضة.
مللت حبّ الحديث عن الحبّ يا حبيبتي
مَثَلُه كمَثَلِ مريض يقضّي ما تبقّى من عمره في الحديث عن مرضه.

[ 6 ]

لماذا لا يكون للعشق طاقيّة إخفاء فوق رؤوس التائهين في زحام أسواق الخضار؟!..
فوق رأس تمسك به يدان ترتعشان خوفا وتتهيئان لتسليمه إلى أولي الألباب والأمر والنهي؛
فوق رأس لا يقبل بغير الشمس قبّعة والشيب صبغة والصلع مصيرا واضحا وجميلا.

[ 7 ]

قد يعجبني الآن أبوك وهو يفتل شاربه في مواجهة الوهم وينفث دخان أرجيلته في وجه الفراغ و تعجبني أمّك وهي تسخر من خرافة النحافة بالأكل والمسلسلات بعد سنين الزواج كما قد يعجبني أخوك الصغير وهو يمارس الحداثة ببهجة وانشراح أمّا قميص خالك الذي ما ينفكّ يسألني عن راتبي ونوعيّة سجائري فلا يعجبني إطلاقا .
**
تعجبني الحماقات التي لا بدّ منها […]
كأن أكوي ما خفي من ملابسي وأختار ألوانها بعناية..
أثقب الحائط بعد أن أبيع اللوحات التي أهداني إيّاها أصدقائي التشكيليون..
أضع الملح في المملحة التي لا أستخدمها وغالبا ما أكسرها في المكان الذي يكثر فيه الملح..

[ 8 ]

كيف لي أن أستمرّ دون حماقات وأكاذيب تفضي إلى الخطايا, كأن أبدي ضيقي من هدوئك أمام امرأة نزقة ومن سمارك أمام شقراء ومن قصر قامتك أمام فارعة ومن طولك أمام قصيرة ومن نحفك أمام ممتلئة ومن سمنتك أمام نحيفة و أشتكي حضورك لغائبة وغيابك لحاضرة.

[ 9 ]

مــا
معنى
أن
أكتب
عنكِ
شيئا للصحافة بمبلغ زهيد وممتع من الأموال ثمّ أصرفه كاملا على غيركِ دونما حياء ولا خجل.
ما معنى أن أحبّكِ دون أن ينتبه إليّ أحد وأغضب منك دون أن يهدّأ من (روعتي) أحد وأهجرك دون أن تحبّين أحد وأعود إليك دون أن يدري أحد.
ما معنى أن أحبّكِ غصبا عن نشرات الأخبار وفوق رمال النهايات المتحرّكة ….كيف لي أن أحبّكِ دون كارهين ودون حب…

[…] كيف لي أن
أحبكِ
دون
حماقات..

بوابة الشرق الاوسط الجديدة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى