شرفات

ماذا لو كتبت مذكراتي عن الإذاعة والتلفزيون السوري؟! من سيحتج، ومن سيثني؟!

ماذا لو كتبت مذكراتي عن الإذاعة والتلفزيون السوري؟! من سيحتج، ومن سيثني؟!عندما يكتب الصحفيون مذكّراتهم عن المهنة وأجوائها، نجدهم في أغلب الأحيان ، وقد عكفوا على نشر تفاصيل لقاءاتهم مع الشخصيات المهمة أو النجوم، فيتماهون مع الشكليات والمظاهر، وتضيع الفائدة والمعلومة، وأحيانا الحقيقة والتاريخ. والغريب أن نشر المذكرات في بلادنا عادة نادرة، وغير محمودة، لا في السياسة ولا في الفن ولا الثقافة، والسبب هو الخوف من ردود الفعل، واليد التي تبطش بمن يحكي شيئاً لايرضيها.

وهذه الأيام ، احتفل التلفزيون بعيده الستين، وأنا، لله عبد، واحد ممن اشتغلوا بصدق للتلفزيون، فقد عينت في الأخبار المصورة في شباط 1982، وندبت إلى الإذاعة، وأمضيت نحو أربعين عاما في العمل، وقد كتبت عن التلفزيون ثلاثة كتب، وأهمُّ بكتابة الرابع عن تاريخ البرنامج التلفزيوني السوري، وقمت بإنجاز عدد كبير من الأفلام والبرامج..

وفي عيد التلفزيون كنت أراقب الركض الحاصل لإنتاج برامج خلال يومين عن المناسبة، وقرأت مقالاً انتقادياً عن التلفزيون خافت المذيعة زهر يوسف التي كتبته من ترويجه، فإذا بي أسأل نفسي عما سيحصل إذا نشر كل واحد منّا، وخاصة أنا، مذكراته عن التلفزيون وما حصل فيه وما جرى له، ولكني خفت ، فقد تصورت في لحظة واحدة مواقف متعددة يقشعر لها البدن ، تعود إلى الوقائع لأن مذكرات بلا وقائع لا تعني شيئا.

وهذا يعني أن عليّ أن أبدأ بأول حادثة لي في الإعلام السوري مع الوزير الراحل أحمد اسكندر أحمد، وتتعلق بمحاولة اغتيال الرئيس الأمريكي رونالد ريغان ، فاستدعاني الوزير وسألني كيف تضع الخبر في آخر نشرة الأخبار، وهي أهم حدث دولي، فقلت له : هذه هي التعليمات. فأجابني: لا.. الحدث الأهم أولاً، وإذا كان ثمة حدث محلي مهم فلا مانع ، وهمس لي: غبي من أعطاك هذه التعليمات!

ذكرت هذه الواقعة لأننا جميعا نعتز بالوزير الراحل، لكن ماذا سأكتب عن المراحل التالية و عن الآخرين سواء الوزراء أو المدراء العامين أو المدراء أو الزملاء، وفيهم الجيدون والمهنيون وفيهم الرديئون  وغير المهنيين؟!

هذه هي المسألة !

قلت في نفسي : ” والله العظيم سأكتب هذه المذكرات، وأحكي عما فعله كل منهم وعن تاريخ معايشتي لصناعة التلفزيون، وكيف تعلمت أصولها، لكني لا أخفيكم، هاجمتني الأفكار السوداوية، فقد تواردت إلى ذاكرتي الصور السوداء عن المهنة، بعكس ما حكاه لنا الرواد عن الصدق والتضحية في العمل لإنجاح أعمالهم.

لقد بدأ التلفزيون العربي السوري أصيلاً، فنجح، ثم فقد هويته فتدهورت حاله، كان بدأ الدكتور صباح قباني بالتأسيس على أرضية الاكتشاف والتأصيل، وبحث عن الطالب الموهوب دريد لحام الذي أدهشه في مسرح الجامعة وأقنعه بأن يترك التدريس ويأتي إلى مكانه الطبيعي، فأغنى التلفزيون على مدار ستين سنة بموهبة الفنان الكبير المبدع.

واليوم ، هكذا ببساطة لا يهتم بعض الإعلاميين والمسؤولين في الإعلام لا بالمسرح ولا بالأدب ولا بالسينما ولا بالثقافة السياسية، ولا يهتم بعضهم بأصول بناء المؤسسات والنهوض بها، بل على العكس يتم التفريط بالخبرات إلى درجة الدهشة !

ترددت ، فأي متاهة سأدخل بها؟! ومن سيحتج عليّ هذا المسؤول أو ذاك، ومن سيرضى، ومن سيغضب؟!

وقفت أمام المرآة، وسألت نفسي : هل أنت خائف ؟!

وقررت : لا . ولذلك ينبغي أن أكتب ما يفيد التلفزيون العربي السوري ، ليس من بوابة الإساءة للآخرين، والتشهير بهم، بل من بوابة الاختلاف معهم على طريقة العمل. ولا أخفيكم، ففي جعبتي الكثير من الوقائع ووجهات النظر الملفتة والخطيرة معاً.

لقد اتخذت القرار ، ولن أتراجع عنه : سأكتب مذكراتي عن الإعلام وبشكل خاص التلفزيون، وأنشرها تباعاً..

فهل سأضايق بعض أصحاب السعادة المسؤولين عن الإعلام مما سأكتبه ؟!

أمامهم حق الرد بموجب القانون، أو الجدار إذا أرادوا !

 

بوابة الشرق الأوسط الجديدة

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى