فن و ثقافة

مسلسل بيت أهلي : محاكاة البيئة الشامية بأصالتها الحضارية !

عماد نداف

خاص  من المبكر جداً ، الحديث عن السوية الفنية والمضمون الدرامي للأعمال السورية التي قدمتها لنا الوجبة الرمضانية التلفزيونية للموسم الحالي 2024، فما شاهدناه من حلقات أي مسلسل من المسلسلات المطروحة من الإنتاج السوري، لايوازي سدس عدد حلقاته، ولكن ثمة مايلفت النظر في بعض الأعمال، وينبغي الإشارة إليه ومنها مسلسلات:

أولاد بديعة، وبيت أهلي، إضافة إلى مسلسلي تاج والعربجي ، وهي مسلسلات تمكنتُ من متابعتها بحكم ظروف الوقت لدي، رغم وجود أعمال أخرى قد تكون بأهميتها أو أقل أو أكثر منها في عرف النقد.

وفي الملاحظات التي لفتت نظري على أوراق المشاهدة التي في حوزتي، وأضعها أمامي، دونت ملاحظات على غاية الأهمية، وقد توقفت في مسلسل (بيت أهلي) ، عند مجموعة مسائل تتعلق بالبيئة الشامية ينبغي الإشارة إليها قبل الكتابة عن المسلسل ككل..

والمسلسل كما نتابعه الآن من إنتاج العام الحالي (2024)، وهو من تأليف الدكتور فؤاد شربجي أحد أمهر كتاب (الدراما الشامية) في عرف المصطلحات التي يتم تداولها في النقد الصحفي الدارج، ومن إخراج تامر إسحق ، وبطولة نخبة من الفنانين الكبار من بينهم :

أيمن زيدان بشخصية (نوري)، وسلوم حداد بشخصية (أبو عدنان) ، وصباح بركات بشخصية (أم عدنان) وعبد الفتاح المزين بشخصية (صبحي)، وصفاء سلطان بشخصية (يسرا)، إضافة إلى عبير شمس الدين، ويزن السيد، عدنان، وجيني أسبر، ومديحة كنيفاتي ولمى بدور ووائل زيدان وتيسير إدريس والليث المفتي، والمسلسل من إنتاج مؤسسة قبنض للإنتاج والتوزيع الفني التي دخلت في صراع قضائي حول مسلسل باب الحارة قبل سنوات مع المخرج الراحل بسام الملا الذي أوقف إنتاج الجزء الذي كتبه الدكتور فؤاد شربجي نظرا للحكم القضائي الذي حصلت عليه شركة قبنض لصالح نص الكاتب مروان قاووق .

المهم في الأمر أن مسلسل (بيت أهلي)، ومنذ الحلقات الأولى، استوقفني وشكّل عندي عدة انطباعات أحببت الكتابة عنها ، وذلك لأنها تتعلق بالبيئة الشامية التي تعرضت مواسمها السنوية المتتالية لانتقادات هامة تتعلق بالتعاطي مع تاريخ دمشق وأهلها وأخلاقها وأعرافها وتقاليدها.

فكيف ظهرت البيئة الشامية في الحلقات الأولى ؟

ظهرت البيئة الشامية كجزء مهم من البيئات المحلية السورية المعروفة بالعراقة والأصالة والتمدن والتي أسهمت بشكل كبير في الخلطة السحرية للهوية السورية المتعلقة بشعبها وأعرافها وطبيعتها ومنطقها وكل ذلك يتكثف بحقيقة واحدة هي (حضارتها) .

يلاحظ ذلك قبل كل شيء، بالهوية الوطنية لأهلها، في مقاومة الاستعمار الفرنسي في مرحلة من أهم مراحل التاريخ الوطني السوري من أجل الاستقلال، فالبيئة الشامية كما ظهرت في المسلسل، ومنذ حلقاته الأولى قامت على مرتكزين في الصنعة الدرامية هما (المكان والزمان) فالمكان، كما ظهر على الشاشة، يعيد للبيت الشامي رونقه وجاذبيته وأصالته التي تعرفنا عليها في كل إبداعات  نزارقباني وإلفة الإدلبي وقمر كيلاني وكل من كتب عن دمشق، تبدى المكان أولا  في لعبة الإخراج وعاءً سحرياً من أوعية الدراما في زمانها وشخوصها وصراعاتها ، فكشف عن كل الهوية الدمشقية دفعة واحدة، بما تحمله من رقي معماري، واجتماعي ، وسلوكي، ومندمج مع الصراع الأكبر الذي هو في هويته صراع وطني من أجل الاستقلال.

تبدأ الأحداث باغتيال المناضل الوطني السوري عبد الرحمن الشهبندر، هذا الحدث الكبير في بعده الدرامي، لم يضعف أثر الصورة والمكان والتفاصيل المتعلقة بالمجتمع الذي يظهر فيه أمثال الشهبندر والقوتلي في عصرهما ، ولهذا مكان آخر قد نتفق في تفاصيله أو نختلف مع مايقدمه المسلسل على صعيد المضمون.

ظهرت الشام في صورة حياة (البرجوازية السورية) ذلك الزمان (راقية، حضارية، منتجة، فاعلة في السياسة والإقتصاد) ، وتمثل المجتمع فيها متناغما مع عصره، وواضحا في تفكيره، وطبيعيا في تعاطيه مع المستجدات، كظهور رجال الدين من مختلف الطوائف في التعزية باستشهاد الشهبندر، وتآلف الأزياء التقليدية مع المودرن في الخليط السكاني.

ورغم أن الملاحظة الأساسية المتعلقة بمكان التصوير (لوكيشن للبيئة الشامية)، أعد حديثا لصناعة الدراما، إلا أن ظهور المكان لألوان زاهية تدل على جدته، تم كسرها في الإكسسوارات، والانتقال إلى أماكن أخرى :

أولا : الانخراط الاجتماعي في لعبة التكافل الاجتماعي الناضجة في الوعي السياسي، وتخوف الكتلة الوطنية المتهمة بقتل الشهبندر، من أهمية هذا الاتهام على الصعيد الوطني.

ثانيا: في تفاصيل الحارة الشامية وأناقتها : السيارات، المحلات، حركة الإنسان وحيويته،  وفي تفاصيل البيت الشامي وأناقته كهندسة معمارية وترتيب أثاثه حتى على صعيد فناجين القهوة، ثم رقي سكانه في الملابس والطعام (المائدة المفتوحة)، وظهور الورود إضافة ظهور عازف الكمان في الحلقة الأولى، وظهور الغرامافون في الحلقة الرابعة.

ثالثا : ظهور المرأة كعنصر فاعل ومهم وليست تابعا ، وقد اتضح هذا في ظهورها كعنصر أساسي في المجتمع منذ الحلقات الأولى، فكانت قوية أنيقة ، تفكر بحداثة ، وبعمق، وتشارك في الحياة العامة.

ظهور الكتب في أحد الحلقات أمام المكتبة وكأنها مسألة مألوفة، وإن كان على رأسها القرآن الكريم .

رابعا : ظهور الصحف في المشاهد

هذه الملامح التي أردها سيناريو بيت أهلي في المشاهدة الأولية للمسلسل، وبالطبع ينشاهد ملامح أكثر وأوضح، ولكننا في الوقت نفسه سننتظر حتى تتبلور الصراعات والشخصيات على النحو الكامل لتشكيل وجهة نظر كاملة!

بوابة الشرق الأوسط الجديدة

 

لزيارة موقع بوابة الشرق الاوسط الجديدة على الفيسبوك

لزيارة موقع بوابة الشرق الاوسط الجديدة على التويتر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى