شرفاتكتاب الموقع

ساعدوني، أريد معطف أمي !

ساعدوني، أريد معطف أمي !…في موجة البرد الأخيرة، حيث لا نار ولا دخان ولا كهرباء في بيتي، وربما لا يوجد طعام، كتبتُ على صفحتي كلمة واحدة، ولم أكنْ كتبتُ مثلها أبداً في حياتي، وهي : (بردان) !

كنت أعرف أن كثيرين سيعلقون على الكلمة ممن يفتحون صفحات التواصل من الأصدقاء وغير الأصدقاء، ولكني لم أكن أعي أن هذه الكلمة ستصل إلى أمي التي توفيت قبل أكثر من عشرين عاما. ثم كيف تصل إلى امرأة متوفاة، وكيف يمكن تخيل ردة فعلها وهي التي لا تعرف أن الزمن تغيّر وأن ابنها تجاوز الستين من عمره أي أنه عاش أكثر من أبيه !

كانت الساعة تقارب الرابعة بعد منتصف الليل، عندما أيقظني البرد الشديد، وهو يدخل عظامي مثل اجتياح كبير لجيش من دبابيس باردة قاتلة، وعندها قمتُ بتجميع ما لدي من أغطية، وسددتُ كل الثقوب التي يمكن أن يتسرب منها الهواء البارد إلى فراشي، وتمنيتُ أن تنتهي الحياة سريعاً إذا كان من الممكن أن تزداد الأمور سوءاً، رغم أني أخاف على الأحياء الذين سيبقون بعدي لأنهي أحبهم !

فجأة ، أحسست بشيء ما يرتمي فوقي، شيء فاحت منه رائحة عطر أسطوري، رائحة معطف قديم، ارتدته أمي أكثر من عقد من الزمن، وكانت رائحته رائحة خبز ساخن خرج لتوه من تنور عتيق .

تراجع جيش دبابيس البرد، تقهقر أمام قوة الدفء الذي أثارها ذلك المعطف، وسألت نفسي مثل مجنون :

ــ ما الذي حصل؟!

تسلل وجهي من تحت الغطية، فرأيتها !

آخر الطيور التي سافرت ، آخر الدفء الذي لفني!

وجهها جميل مثل كل الأمهات في بلدي، حنون، ضاحك، لا تغطيه مساحيق المكياج، ولا أقنعة العصر. كانت تربت بيدها فوق الأغطية التي ارتمى المعطف الأسطوري فوقها، فأثار الدفء في جسدي .

شعرتُ بالاطمئنان!

سرى دفء غريب في جسدي، وتلاشى البرد القارس الذي سيطر على الغرفة، ونمت مطمئناً، فذهبت إلى أحلام عدتُ فيها طفلاً مشاغباً في حارات الشام، تبلله الأمطار، ولا يكف عن اللعب، عدتُ تلميذاً يعود من المدرسة بيدين باردتين، فتحضنه أمه بحب، وتنفخ في راحتيه ليتغلب على برد الأصابع!

عند الصباح ، نهضت قوياً وقد هزمت البرد ، إلاً أن أول شيء فعلته هو البحث عن المعطف. لم أجده . بحثت عنه في تلة الأغطية التي كانت فوقي ، ولكن عبثاً ضاع المعطف الأبدي ، ضاع ، وإلى الآن أبحث عنه .

ساعدوني !

بوابة الشرق الاوسط الجديدة 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى